مقال

نفحات إيمانية ومع ثمرات ذكر الله عز وجل “الجزء الثامن “

نفحات إيمانية ومع ثمرات ذكر الله عز وجل “الجزء الثامن ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع ثمرات ذكر الله عز وجل، وإن الغفلة و طول الأمل خصلتان مهلكتان للإنسان، فيقول الله عز وجل “ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا” والمعنى هنا أن الله خلق فيه الغفلة، حاشا لله، ومعاذ الله أن نفهم هذه الآية هكذا، فيقول عز وجل “ولا تطع من أغفلنا” أى لا تصاحب إلا ذاكرا، أي من وجدناه غافلا، لأن العرب في لغتها تقول عاشرت القوم فما أبخلتهم، أي ما وجدتهم بخلاء، عاشرت القوم فما أجبنتهم، أي ما وجدتهم جبناء، فالمعنى أي من وجدناه غافلا، فلا تصاحب إلا ذاكرا لله، ولا تصاحب غافلا عن الله عز وجل، والغفلة عن الله، والأمل في الدنيا خصلتان مهلكتان للإنسان يوم القيامة، الغفلة، والأمل.

 

وأما الذكر وقصر الأمل فهذه من أسباب النجاة للمؤمن يوم القيامة، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، فالكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، ويجب عليك بأن أي قصة تسمعها ينبغي أن تعرضها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن توافقت في مغزاها مع كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فعلى العين والرأس، وإن لم تتوافق كليا أو جزئيا ينبغي أن تنظر إليها من زاوية محدودة، فقد ورد عن أخبار الصالحين أن حاتم الأصم قال لأولاده وقد أقبل موسم الحج.

 

إنني أريد أن أحج بيت الله الحرام، كلكم يعلم أن الحج كان مشقة كبيرة، وأن السفر عند الفقهاء مظنة هلاك، والسفر كان فيما مضى مظنة هلاك، ولا يزال، لكن الاحتمال أقوى، مظنة هلاك، فقال لأولاده أريد أن أحج بيت الله الحرام، فقال أولاده ومن يطعمنا؟ ومن يأتي بحاجاتنا؟ وهذا من حقهم، وبحسب أحكام الفقه ينبغي أن تملك الراحلة والصحة والزاد ونفقة الأهل في غيابك، فردَّت بنت من بناته، وكانت على درجة عالية من التقوى، قالت يا أبت اذهب إنك لست برازق، وفي أيام قليلة انتهى الطعام من البيت، ودخلت الأسرة على هذه البنت التقية لتعنفها، ولتوبخها، فخلت البنت بنفسها ورفعت سؤلها إلى ربها، هذه هي الزاوية التي أردت أن أروي القصة من أجلها.

 

زاوية إذا وضعت ثقتك بالله، وإذا توكلت على الله، وإذا اجتهدت أن تفعل هذا اعتمادا على الله، فإن الله عز وجل لا يخيبك، فقد خلت البنت بنفسها، ورفعت سؤلها إلى ربها الذي قال “ومن يتقى الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب” ويقدر الرزاق أن أمير البلدة يتفقد أحوال الناس، ووصل إلى بيت حاتم الأصم فشعر بظمأ شديد كاد أن يقتله، فقال لشرطي من الشرطة معه أدركني بكوب من الماء البارد، فأسرع الشرطي إلى باب حاتم الأصم، ولما علم أهل البيت أن الماء للأمير أحضروا كوبا نظيفا وماء باردا، وهذا من باب “أنزلوا الناس منازلهم” فلما شرب الأمير ووضع الله له اللذة في الماء، سأل، وقال بيت من هذا؟ قالوا بيت حاتم الأصم، قال هذا الرجل الصالح؟

 

قالوا نعم، قال الحمد لله الذي سقاني من بيوت الصالحين، أين هو لأسلم عليه؟ قالوا هو في الحج، فقال إذا وجب علي أن أكافئ أهل بيته في غيبته، وكانت العملة وقتها من الذهب، فأخرج صرة من الذهب مملوءة، وألقاها في بيت حاتم الأصم، لكن الرزاق أراد لهم المزيد فانطلق لسان الأمير، وقال من أحبني فليصنع صنيعي، فكل من معه رمى بما معه من المال في بيت حاتم الأصم، وذهبوا، وامتلأ البيت مالا، ودخلت البنت التقية النقية تبكي، فدخلت أمها مع أولادها، تقول لها لما البكاء يا بنيتي؟ وقد أصبحنا في غنى، فقالت لقد نظر إلينا مخلوق نظرة فأغنتنا، فكيف لو نظر إلينا الخالق؟ فإن الإنسان بالدعاء أقوى و أغنى و أعلم الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى