مقال

نفحات إيمانية ومع ذى القرنين وبناء الأوطان “جزء 6”

نفحات إيمانية ومع ذى القرنين وبناء الأوطان “جزء 6”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

عزيزى القارئ ونكمل الجزء السادس مع ذى القرنين وبناء الأوطان، فعجوا إلى الله تعالى بصوت واحد إنا آمنا فكشفها عنهم، وأخذهم عنوة، ودخلوا في دعوته فجند من أهل المغرب أمما عظيمة فجعلهم جندا واحدا ثم انطلق بهم يقودهم والظلمة تسوقهم وتحرسه من خلفه، والنور أمامهم يقوده ويدله، وهو يسير في ناحية الأرض اليمنى يريد الأمة التي في قطر الأرض الأيمن وهي هاويل وسخر الله تعالى يده وقلبه وعقله ونظره فلا يخطئ إذا عمل عملا، فإذا أتوا مخاضة أو بحرا بنى سفنا من ألواح صغار مثل النعال فنظمها في ساعة، ثم جعل فيها جميع من معه من تلك الأمم، فإذا قطع البحار والأنهار فتقها ودفع إلى كل رجل لوحا فلا يكترث بحمله.

 

فانتهى إلى هاويل وفعل بهم كفعله بناسك فآمنوا، ففرغ منهم، وأخذ جيوشهم وانطلق إلى ناحية الأرض الأخرى حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس فعمل فيها وجند منها جنودا كفعله في الأولى، ثم كر مقبلا حتى أخذ ناحية الأرض اليسرى يريد تاويل وهي الأمة التي تقابل هاويل بينهما عرض الأرض، ففعل فيها كفعله فيما قبلها، ثم عطف إلى الأمم التي في وسط الأرض من الجن الإنس ويأجوج ومأجوج، فلما كان في بعض الطريق مما يلي منقطع الترك من المشرق قالت له أمة صالحة من الإنس يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقا من خلق الله تعالى كثيرا ليس لهم عدد، وليس فيهم مشابهة من الإنس وهم أشباه البهائم يأكلون العشب ويفترسون الدواب والوحش.

 

كما تفترسها السباع، ويأكلون حشرات الأرض كلها من الحيات والعقارب والوزغ وكل ذي روح مما خلق الله تعالى في الأرض وليس لله تعالى خلق ينمو نماءهم في العام الواحد، فإن طالت المدة فسيملئون الأرض، ويجلون أهلها فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ؟ وفى قوله تعالى “قلنا ياذا القرنين” قال القشيري أبو نصر إن كان نبيا فهو وحي، وإن لم يكن نبيا فهو إلهام من الله تعالى، وفى قوله تعالى “إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا” قال إبراهيم بن السري خيره بين هذين كما خير محمدا صلى الله عليه وسلم فقال ” فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم” ونحوه وقال أبو إسحاق الزجاج أن المعنى أن الله تعالى خيره بين هذين الحكمين.

 

وقيل ورد علي بن سليمان عليه قوله لأنه لم يصح أن ذا القرنين نبي فيخاطب بهذا، فكيف يقول لربه عز وجل ثم يرد إلى ربه ؟ وكيف يقول فسوف نعذبه فيخاطب بالنون ؟ قال التقدير، قلنا يا محمد “قالوا يا ذا القرنين ” قال أبو جعفر النحاس هذا الذي قاله أبو الحسن لا يلزم منه شيء أما قوله “قلنا ياذا القرنين” فيجوز أن يكون الله عز وجل خاطبه على لسان نبي في وقته ويجوز أن يكون قال له هذا كما قال لنبيه فإما منا بعد وإما فداء، وأما إشكال فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فإن تقديره أن الله تعالى لما خيره بين القتل في قوله تعالى ” إما أن تعذب” وبين الاستبقاء في قوله جل وعز “وإما أن تتخذ فيهم حسنا” قال لأولئك القوم أما من ظلم أي من أقام على الكفر منكم.

 

فسوف نعذبه أي بالقتل، ثم يرد إلى ربه أي يوم القيامة، فيعذبه عذابا نكرا أي شديدا في جهنم، وأما من آمن وعمل صالحا أي تاب من الكفر، وقيل أن في موضع نصب في إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قيل ولو رفعت كان صوابا بمعنى فإما هو، كما قال فسيرا فإما حاجة تقضيانها وإما مقيل صالح وصديق، وقوله تعالى ” فله جزاء الحسنى” قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم فله جزاء الحسنى بالرفع على الابتداء أو بالاستقرار، و الحسنى في موضع خفض بالإضافة ويحذف التنوين للإضافة أي له جزاء الحسنى عند الله تعالى في الآخرة وهي الجنة، فأضاف الجزاء إلى الجنة كقوله “حق اليقين” ولدار الآخرة، ويحتمل أن يريد بالحسنى الأعمال الصالحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى