مقال

نفحات إيمانية ومع عوامل بناء الحضارات والأمم “جزء 5 “

نفحات إيمانية ومع عوامل بناء الحضارات والأمم “جزء 5 ”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع عوامل بناء الحضارات والأمم، فالمنهج العلمي ينافي اقتفاء الأمور بلا علم ولا تثبت، ولذلك قال تعالى فى سورة الإسراء ” ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا” ولقد حذر القرآن الكريم من تعطيل حواس الإنسان الظاهرة والباطنة وعدم استخدامها في اكتساب العلوم والمعارف، وبين تحسر أهل النار وندامتهم إذ أهملوا أسماعهم وعقولهم في الدنيا، غقال تعالى فى سورة الملك ” وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير” وكذلك دفع العقل إلى البحث والتفكير وحثه على التأمل والتدبر في ملكوت الله عز وجل، ومن ذلك قوله تعالى.

 

“إن فى خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون” وبهذا النظر والتفكر في مخلوقات الله عز وجل، يتجه العقل البشري، إلى الإيمان اليقيني القائم على البراهين القاطعة والاستدلالات المنطقية، وقد قال تعالى على لسان عباده الذين آمنوا بعد تفكر وتأمل في ملكوته ” ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار” فالفكر الذي تبنيه عقيدة التوحيد الإسلامية هو فكر ممنهج مستقيم يسير على هدى ونور من ربه عز وجل، قد تحرر من كل الأوهام والخرافات الهدامة.

 

وابتعد كل البعد عن الزيغ والضلال، والانحراف والشطط، فغدا أفقه واسعا ونظره ثاقبا وهدفه واضحا، وقد ركزت العقيدة أيضا علي البناء النفسي، لإن النفس التي لم تعرف توحيد الله سبحانه وتعالى، ولم تذق حلاوة الإيمان والتصديق، ونجدها تعيش تائهة حائرة، يائسة قانطة، مضطربة متوترة، تفزع للمصائب وتجزع للنوائب، وتبطر الخير والنعمة، وتغمط الناس حقهم وفضلهم، لذلك أخبرنا القرآن الكريم عن حقيقة النفس الإنسانية وكشف لنا عن خفاياها وخباياها في آيات كثيرة منها قوله تعالى ” إن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا” وقوله تعالى ” وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا”

 

ولهذا، فإن منهج عقيدة التوحيد في بناء النفس الإنسانية يقوم على تعريف الإنسان بحقيقة نفسه وطبيعتها وماهيتها، ثم بالإجابة على الأسئلة الكبرى الملحة عندها والتي تجعلها تعيش في قلق وحيرة تجاهها، وهي من الذي أوجدني؟ وما هي الغاية التي لأجلها وجدت في هذا الكون؟ وإلى أين المصير وما هي النهاية؟ وحين تظفر هذه النفس بالجواب الصحيح على تلك الأسئلة الملحة يتضح للإنسان تصوره لنفسه وللحياة وللكون من حوله، وتترسم له معالم الطريق الذي يجب أن يسلكه ويسير فيه بجلاء بيّن، فتهدأ نفسه وتطمئن، وتعيش في سكينة واستقرار بعيدا عن الحيرة القاتلة، كما تعمل عقيدة التوحيد على تزكية النفس وتطهيرها من كل ما يشوبها ويفسدها.

 

فقد قال تعالى فى كتابه ” ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها” وإن للنفس التي عرفت التوحيد والإيمان، سمات وخصائص تميزها، منها هو الأمن والاطمئنان، فالنفس التي أشرق في عمقها نور الإيمان واستقرت في سويدائها حقيقة التوحيد تكون آمنة مطمئنة، لقوله تعالى فى سورة الأنعام ” الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون” وكذلك الرضا والثبات، فإن النفس المؤمنة نفس راضية عن ربها في كل الأحوال والظروف، لذلك استحقت رضا الله عنها، فقال تعالى فى سورة البينه ” رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشى ربه” وهذه النفس هي ثابتة مستقيمة تسير على خط واحد في اليسر والعسر، شاكرة في السراء وصابرة في الضراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى