مقال

نفحات إيمانية ومع الجعد بن درهم الخرسانى “جزء 3”

نفحات إيمانية ومع الجعد بن درهم الخرسانى “جزء 3”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع الجعد بن درهم الخرسانى، وقد اعتبر المعتزلة أن القرآن يحوي نصوصا متنوعة، ومختلفة ومتعارضة أحيانا، ففيها من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد والكلام التشريعي والكلام الإخباري والكلام الوضعي، كما يجمع بين المسائل الروحية والدنيوية في آن واحد، وإذا كان ليس جائزا تنسيب التناقض في القول إلى الله تعالى، ويصبح من الضرورة إذا اللجوء إلى النظر العقلي لتفسير ما ورد في القرآن الكريم، مما ينزع عنه الأبدية أو عدم الاجتهاد في نصوصه، لأن كلام الله محدث ومخلوق في محل، كما هو حرف وصوت كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه، وكما يشير المعتزلة إلى ذلك، ويذهب القاضي عبد الجبار وهو أحد ابرز أركان المعتزلة.

 

في شرحه مبررات القول بخلق القرآن إلى القول، إن القرآن كلام الله ووحيه، وهو مخلوق محدث، وقد أنزله الله على نبيه ليكون علما ودالا على نبوته، وجعله دلالة لنا على الأحكام لنرجع إليه في الحلال والحرام، واستوجب منا بذلك الحمد والشكر، والتحميد والتقديس، والقرآن يتقدم بعضه على بعض، وما هذا سبيله لا يجوز أن يكون قديما، إذ القديم هو ما لا يتقدمه غيره، وآخر، ونصف وربع، وسدس وسبع، وما يكون بهذا الوصف، كيف يجوز أن يكون قديما؟ ولم يكتف المعتزلة يتجاوز المألوف في الجدل اللاهوتي بقولهم بخلق القرآن بل تجاوزوا ذلك إلى نفي صفة الإعجاز عنه، وهو ما نظر إليه بوصفه مس بمقدسات أجمع عليها المسلمون، وكانت مصدر فخرهم وتميزهم.

 

بأن كتابهم العظيم يستحيل الإتيان به من حيث النظم والبلاغة والفصاحة، في هذا المجال، كما في خلق القرآن، كان المعتزلة منطقيّين مع أنفسهم وأمناء لمنهجهم العقلاني في النظر إلى الأمور وعلى الأخص منها النص الديني، برفض كل ما لا يقبله العقل مهما أهدلت عليه صفات القدسية، وقد شكلت قضية خلق القرآن عند المعتزلة جوهر نظريتهم في اللاهوت الإسلامي وفي الجدال الذي انخرطوا فيه أو فرض عليهم، لم يختلفوا عن خصومهم في اعتماد تكفير من خالفهم الرأي في هذا المجال، وستتخذ هذه المسألة حجما كبيرا عندما ستفرض عقيدة على الدولة الإسلامية في عهد الخليفة المأمون، لكن المعتزلة ستؤسس في قضية خلق القرآن لوجهة ثورية.

 

وإذا أردنا استخدام مصطلحات حديثة، في قراءة النص الديني الإسلامي، وهى تشكل اليوم محورا مركزيا في الصراع السياسي على الإسلام وعلى كيفية توظيفه بما يخدم التقدم والتطور أو بما يكرس التطرف والإرهاب، وتسود اليوم وجهتا نظر مركزيتين في قراءة النص الديني، واحدة ترى فيه نص صالح لكل زمان ومكان ولا يجوز الاجتهاد فيه، وأخرى ترى فيه نص تاريخي له زمان وهو تاريخ الدعوة الإسلامية، وكما له مكان وهو الجزيرة العربية، وإن قراءته يجب أن تعتمد زمان نزول آياته ومكانه وسبب هذا النزول والحاجة التي أتت لتلبيتها، وهي قراءة ترفض التسليم بالمعنى الحرفي الظاهري للآيات، وإن الخلافات ليست شكلية بمقدار ما يترتب عليها من ممارسات خطيرة.

 

ويعتقد أهل السنة والجماعة أن القرآن الكريم كلام الله غير المخلوق، فقد روي عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال، والقرآن كلام الله، وليس بمخلوق، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أن القرآن كلام الله عز وجل ووقف ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق، فهو أخبث من الأول، ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي، ومن لم يكفر هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم، وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي شارح الطحاوية، أن أهل السنة كلهم من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم من السلف والخلف متفقون على أن كلام الله غير مخلوق، ولكن بعد ذلك تنازع المتأخرون في أن كلام الله هل هو معنى واحد قائم بالذات أو أنه حروف وأصوات تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى