مقال

نفحات إيمانية ومع المغيرة بن شعبة الثقفى ” جزء 4″

نفحات إيمانية ومع المغيرة بن شعبة الثقفى ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع المغيرة بن شعبة الثقفى، وقيل أنه كان المغيرة يتردد على بيوت الزواني يوميا، وكان إحداها مقابلا لبيت أبي بكرة الصحابي، وكان للبيتين مشربتان متقابلتان وفي كل واحدة منهما كوة تواجه الأخرى، فاجتمع ذات يوم نفر إلى أبي بكرة يتحدثون في مشربته، فهبّت ريح ففتحت باب الكوة، فقام أبو بكرة ليغلقه وإذا به يرى المغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربة ذلك البيت أيضا وهو بين رجلي امرأة حال الجماع، فقال للنفر الذين عنده، قوموا فانظروا، فقاموا فنظروا وتأكدوا من فعل المغيرة، ثم قال لهم اشهدوا، فسألوه من هذه؟ فقال أم جميل ابنة الأفقم، وكانت أم جميل هذه زانية معروفة تغشى الأمراء والولاة ويغشونها، فلما خرج المغيرة إلى الصلاة.

 

حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة وقال له لا تصلى بنا، وكتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يبلغه بالحادث، فأرسل عمر بن الخطاب، أبا موسى الأشعري محل المغيرة واستدعى المغيرة والشهود الذين كانوا حاضرين عند أبي بكرة، وهم بالإضافة إليه شبل بن معبد البجلي ونافع بن كلدة وزياد بن أبيه، فلما وصلوا المدينة استدعاهم الخليفه عمر بن الخطاب، إلى مجلس الحكم وسأل أبا بكرة، كيف رأيته؟ فقال إني رأيته بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة، فتغيّر وجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، واضطرب لأنه لا يريد إقامة الحد على صاحبه المغيرة ورجمه، ثم دعا بشبل بن معبد فشهد بمثل ذلك وشهد نافع بمثل ذلك.

 

ولمّا جاءت النوبة إلى زياد ليشهد علم بأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، يكره رجم المغيرة، خاصة أن عمر عندما استدعاه قال له، أرى رجلا أرجو أن لا يفضح الله به رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عبارة تظهر الانزعاج الواضح من الخليفه عمر بن الخطاب، لشهادة الشهود الثلاثة على المغيرة بالزنا، ولم تبق أية فرصة لإنقاذ المغيرة من الموت المحقق سوى شهادة الشاهد الرابع وهو زياد، فتفطن زياد إلى ذلك فقال في شهادته رأيته جالسا بين رجلي امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان واستين مكشوفتين وسمعت حفزانا شديدا، فقال عمر بن الخطاب هل رأيت الميل في المكحلة؟ فقال لا، فقال عمر بن الخطاب الله أكبر.

 

وأنقذ المغيرة من الرجم ثم إنه أمر بالشهود الثلاثة فجُلدوا، فلما جلدوا أبا بكرة قال أشهد أن المغيرة زان، فقال عمر بن الخطاب، حدّوه، أي أقيموا عليه الحد ثانية، وعندها تدخل الإمام على بن أبى طالب وقال لعمر بن الخطاب إن جعلتها شهادة فارجم صاحبك، فامتنعوا عن ذلك، ولكن ما جاء في روايات عدة من شهادة عليه رضي الله عنه بالزنا، فإنه لم يثبت نصاب الشهادة فيها، ولا يمكن لأحد أن يتهمه رضي الله عنه بتلك الفاحشة البغيضة من غير اعتراف، أو شهادة أربعة رجال، وكلا الأمرين معدوم، وقد جلد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الثلاثة الذين اتهموه بالزنا، لعدم اكتمال نصاب الشهادة، بعد تردد الرابع، وعدم شهادته.

 

ولم يصنع شيئا مع المغيرة لعدم ثبوت أصل الواقعة شرعا، وأما بخصوص المروي في وصف فعله رضي الله مع تلك المرأة فالجواب عنه من وجوه مختلفه، وهو سقوط ذلك كله شرعا، وعدم ثبوت شيء منه، لتخلف نصاب الشهادة، وأن كثيرا من تلك الروايات لم تصح أصلا من حيث إسنادها، وأن ذلك الأمر الذي حصل، إن جزمنا بحصوله واقعا، وهو ما سبب إشكالا عند كثيرين، لم يكن مع امرأة أجنبية، بل كان مع زوجة من نسائه تشبه تلك التي ادعي عليها فعل الفاحشة مع ذلك الصحابي الجليل، وقد قال الشنقيطي رحمه الله ” أنه يظهر لنا في هذه القصة أن المرأة التي رأوا المغيرة رضي الله عنه مخالطا لها عندما فتحت الريح الباب عنهما هي زوجته، ولا يعرفونها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى