مقال

نفحات إيمانية ومع القعقاع بن عمرو ” جزء 3″

نفحات إيمانية ومع القعقاع بن عمرو ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع القعقاع بن عمرو، فقال أشيروا عليّ برجل؟ فأشاروا عليه بسعد بن أبي وقاص فأحضره عمر بن الخطاب وأقرّه على جيش العراق، وقد سار سعد رضى الله عنه بالجيش وتتابعت الإمدادات، حتى صار معه ثلاثون ألف من المجاهدين المؤمنين، فنظم الجيش، وكلف يزدجرد قائده رستم بقيادة الجيش، فسار رستم بجيش يبلغ تعداده مائة وعشرون ألف، ومعه سبعون من الفيلة، وإن من البطولات العجيبة التي حصلت قبل المعركة هو أن دخل طليحة الأسدى معسكر رستم وحده لكي يعرف مقدار قوة جيش العدو، فشعروا به، فخرج يحطم عليهم أعمدة خيامهم، وأخذ أمامه فرسا، فركبوا في طلبه، فلحق به فارس منهم فقتله طليحة، ثم لحق به آخر فقتله أيضا، فلحق به ثالث، فكرّ عليه طليحة وأسره،

 

ودخل به على سعد، وأرسل بعدها رستم إلى سعد أن ابعث إلينا رجلا نكلمه ويكلمنا، فأرسل إليهم ربعي بن عامر، الذي وقف موقفا عظيما مع رستم وقال كلمات خالدة “إن الله ابتعثنا لنخرج من يشاء من عباده من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فمن قبله قبلنا منه ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه دوننا، ومن أبى قاتلناه حتى نفضي إلى الجنة أو الظفر” ورجع ربعي إلى جيش المسلمين، وترك القوم في حيرة مما قاله لهم، وأوقع فى نفوسهم من الخوف والهلع قبل المعركة، وبعد عدة مراسلات ومحاورات بين رستم وبعض الصحابة، عبر الفرس النهر، وجلس رستم على سريره، وعبأ في قلب الجيش ثمانى عشر فيل، وأما سعد، فقد نظم الجيش.

 

وقال الزموا مكانكم، حتى تصلوا الظهر، فإذا صليتم، فإني مكبر تكبيرة، فكبروا واستعدوا، فإن سمعتم الثانية، فكبروا والبسوا عدتكم، ثم إذا كبرت الثالثة، فكبروا ولينشط فرسانكم الناس، فإذا كبرت الرابعة فازحفوا جميعا، حتى تخالطوا عدوكم، وقولوا لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما كبر سعد الثالثة برز أهل النجدات، فأنشبوا القتال، وخرج إليهم من الفرس أمثالهم، فتبادلوا الطعن والضرب، ومما أزعج المسلمون الفيلة التي جاء بها رستم لأن الخيول كانت تحجم عنها وتحيد، فاقترح عاصم بن عمرو أن يرموا ركبان الفيلة بالنبل، فشد عليهم الرماة، فما بقى فيل إلا قتل صاحبه، واقتتل الناس ذلك اليوم حتى غروب الشمس، وفى اليوم الثاني قدم القعقاع بن عمرو من دمشق بعد فتحها.

 

ولما كان يعلم عدد جيش المسلمين، وضخامة جيش الفرس، قطع الجيش عشرا عشرا، وكانوا ألف فارس، وجعلهم متباعدين يثيرون الأرض، حتى يصلوا ويلحقوا بالجيش، فبقيت العشرات تتوارد أرض القادسية، حتى المساء، فظن الفرس أن مائة ألف قد وصلوا من الشام، فألقى القعقاع، في قلوبهم الرعب والهلع فلا تدرى من أين جاء هؤلاء الفرسان بفنون الحرب وخططها، وهم حديثو عهد بالحروب، ومن خطط القعقاع أيضا أنه ألبس الإبل البراقع، فجعلت خيل الفرس تفر منها تحسبها فيلة، فلقي الفرس من الإبل أعظم مما لقى المسلمون من الفيلة، فتنشط المسلمون وتقاتل الفريقان ذلك اليوم، حتى منتصف الليل، وإن من القصص العجيبة التي حصلت في ذلك اليوم، قصة الخنساء وأبنائها الأربعة.

 

فقد جمعت أبناءها في أول الليل، وأوصتهم بالصبر على الجهاد في سبيل الله، فخرج أبناؤها الأربعة، فقاتلوا ببسالة، حتى قتلوا جميعا، فلما بلغها الخبر، قالت “الحمد لله الذى شرّفنى بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته” وقد يتعجب البعض من انتصار المسلمين في القادسية وغيرها من المعارك، وعدد العدو أضعاف أضعاف المسلمين فلما العجب وفي نساء المسلمين من أمثال الخنساء فكيف بالرجال؟ وقد ذكر ابن كثير رحمه الله فى البداية والنهاية قصة امرأة همّام بن الحارث النخعي، قالت “شهدنا القادسية مع أزواجنا، فلما أتانا أن قد فُرغ من الناس شددنا علينا ثيابنا، وأخذنا الهراوى، ثم أتينا القتلى، فمن كان من المسلمين سقيناه ورفعناه، ومن كان من المشركين أجهزنا عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى