مقال

أخو الصدق والعدل ” جزء 7″

أخو الصدق والعدل ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع أخو الصدق والعدل، وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله تعالى ” إنما المؤمنون أخوة” بالتناصر على الحق، والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين وعدم التقاطع، فهذا الأمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخلة في العقود التي أمر الله بالقيام بها، وقد سئل أحد العرب، بأي شيء يعرف وفاء الرجل دون تجربة واختبار، قال بحنينه إلى أوطانه، وتلهفه على ما مضى من زمانه، ويقول القلب الصادق أنا أحبك إذن أنا مستعد لفعل أي شيء من أجلك، وإن الصبر لله غناء، والصبر بالله بقاء، والصبر مع الله وفاء، والصبر عن الله جفاء، وإن المرأة لا تهزأ من الحب، ولا تسخر من الوفاء إلا بعد أن يخيب الرجل آمالها، وقيل حبك لي حب افتراضي، وفاؤك لي وفاء افتراضي.

 

وحده موتي الافتراضي حقيقي كالتنفس، وإن الإيثار كلمة رديئة في زمن المصالح، وغيابها غياب للوفاء، وهذا ما أخشاه الآن، فإن المدينة العظمى هي التي يسود فيها العلم والحرية والإخاء والوفاء، وعن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة عن أبيه عن جده قال استقرض مني النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفا، فجاءه مال فدفعه إلي، وقال “بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الحمد والأداء” وقال الأحنف “لا صديق لملول، ولا وفاء لكذوب، ولا راحة لحسود، ولا مروءة لبخيل، ولا سؤدد لسيئ الخلق” وعن الأصمعي قال “إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه” وقال ابن مفلح كان يقال كما يتوخى للوديعة، أهل الأمانة والثقة.

 

كذلك ينبغي أن يتوخى بالمعروف، أهل الوفاء والشكر، وقال الحريري تعامل القرن الأول فيما بينهم بالدين زمانا طويلا حتى رق الدين، ثم تعامل القرن الثاني بالوفاء حتى ذهب الوفاء، ثم تعامل القرن الثالث بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثم تعامل القرن الرابع بالحياء حتى ذهب الحياء، ثم صار الناس يتعاملون بالرغبة والرهبة، وقال بعض الحكماء من لم يفى للإخوان، كان مغموز النسب، وقال ابن حزم إن من حميد الغرائز وكريم الشيم وفاضل الأخلاق الوفاء وإنه لمن أقوى الدلائل وأوضح البراهين على طيب الأصل وشرف العنصر، وهو يتفاضل بالتفاضل اللازم للمخلوقات، وأول مراتب الوفاء أن يفي الإنسان لمن يفي له، وهذا فرض لازم وحق واجب لا يحول عنه إلا خبيث المحتد، لا خلاق له ولا خير عنده، وقال أيضا الوفاء مركب من العدل.

 

والجود، والنجدة لأن الوفي رأى من الجور أن لا يقارض من وثق به، أو من أحسن إليه فعدل في ذلك، ورأى أن يسمح بعاجل يقتضيه له عدم الوفاء من الحظ فجاد في ذلك، ورأى أن يتجلد لما يتوقع من عاقبة الوفاء فشجع في ذلك، وعن عوف بن النعمان الشيباني أنه قال في الجاهلية الجهلاء لأن أموت عطشا، أحب إليّ من أكون مخلاف الموعدة، وعن عوف الكلبي أنه قال آفة المروءة خلف الموعد، وقال الحارث بن عمرو بن حجر الكندي “أنجز حر ما وعد” وقالت الحكماء لا شيء أضيع من مودة من لا وفاء له، واصطناع من لا شكر عنده، والكريم يود الكريم عن لقية واحدة، واللئيم لا يصل أحدا إلا عن رغبة أو رهبة، وقيل أوصت أعرابية ابنا لها، فقالت يا بني، اعلم أنه من اعتقد الوفاء والسخاء، فقد استجاد الحلة بربطتها وسربالها.

 

وإياك والنمائم فإنها تنبت السخائم، وتفرق بين المحبين، وتحسي أهلها الأمرين، وإن جوهر كون المرء إنسانا هو ألا يسعى إلى الكمال، وأن يكون المرء أحيانا مستعدا لارتكاب ذنوب من أجل الوفاء، وألا يصل المرء في زهده إلى الحد حيث يجعل التواصل الودي مستحيلا، وأن يكون المرء جاهزا في نهاية المطاف لأن يهزم ويحكم من الحياة، والذي هو الثمن الحتمي لتثبيته حبه لأفراد بشر آخرين، وماذا تكون العفة، والأمانة، والصدق، والوفاء، والبر، والإحسان، وغيرها، إذا كان، فيمن انقطع في صحراء أو على رأس جبل، أيزعم أحد أن الصدق فضيلة في إنسان ليس حوله إلا عشرة أحجار، وإن من علامة وفاء المرء ودوام عهده، حنينه إلى إخوانه، وشوقه إلى أوطانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى