مقال

أبا الجندل بن سهيل القرشي.

أبا الجندل بن سهيل القرشي.

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

الصحابي أبا الجندل وهو أبو جندل بن سهيل بن عمرو القرشي العامري ، وأمه هى السيدة فاختة بنت عامر بن نوفل بن عبد مناف، وكان من السابقين إلى الإسلام، وممن تم تعذيبه بسبب إسلامه، فقد أسلم قديما بمكة، فحبسه أبوه وأوثقه في الحديد، ومنعه الهجرة، وفي صلح الحديبية والصحيفة تكتب إذ طلع أبو جندل بن سهيل يرسف في الحديد وكان أبوه قد حبسه فأفلت من الحبس، فلما رآه أبوه سهيل بن عمرو قام إليه فضرب وجهه، وأخذ بتلابيبه وقال يا محمد، قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم ” صدقت ” فصاح أبو الجندل بأعلى صوته قائلا يا معشر المسلمين، أرد إلى المشركين يفتنوني في ديني، فقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “أجزه لي” أي اتركه لي يا سهيل، فامتنع أن يتركه والده.

 

وقال هذا أول ما أقاضيك عليه، فقال” إنا لم نقضي الكتاب بعد ” قال فوالله لا أصالحك على شيء أبدا فأخذ سهيل بن عمر وأبوه فرجع به، وقد كانت الصحابه خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشكون في الفتح، فلما صنع أبو جندل ما صنع وقد كان دخل، ولما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل على نفسه في الصلح ورجعته، أمر عظيم، فلما صنع أبو جندل ما صنع زاد الناس شرا على ما بهم, فقال رسول الله لأبي جندل “أبا جندل، اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، وإنا صالحنا القوم وإنا لا نغدر” وأبا الجندل له موقف مع أبي بصير فقد انفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو الذي رده النبى الكريم صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وخرج من مكة في سبعين راكبا أسلموا فلحقوا بأبي بصير.

 

وكرهوا أن يقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدة الهدنة خوفا من أن يردهم إلى أهلهم، وانضم إليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة وطوائف من العرب ممن أسلم حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل، فقطعوا مارة قريش لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه، ولا تمر بهم عير إلا أخذوها، حتى كتبت قريش إلى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم تسأله بالأرحام إلا آواهم ولا حاجة لهم بهم، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي جندل وأبي بصير أن يقدما عليه، وأن من معهم من المسلمين يلحق ببلادهم وأهليهم ولا يتعرضوا لأحد مر بهم من قريش ولا لعيرهم، فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما وأبو بصير مشرف على الموت لمرض حصل له، فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده يقرؤه، فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدا.

 

ويقول الإمام ابن عبد البر قد غلطت طائفة ألفت في الصحابة في أبي جندل هذا، فقالوا اسمه عبد الله بن سهيل، وإنه الذي أتى مع أبيه سهيل إلى بدر، فانحاز من المشركين إلى المسلمين، وأسلم وشهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا غلط فاحش، وعبد الله بن سهيل ليس بأبي جندل، ولكنه أخوه، كان قد أسلم بمكة قبل بدر، ثم شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستشهد باليمامة في خلافة أبي بكر الصديق، وأبو جندل لم يشهد بدرا ولا شيئا من المشاهد قبل فتح مكة، ولم يزل أبو جندل وأبوه مجاهدين بالشام حتى ماتا يعني في خلافة عمر بن الخطاب، ولقد كانت ﻫﺠﺮﺗﻪ ﺃﻗﺴﻰ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﻣﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻟﺤﻈﺔ ﻛﺎﺩ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻥ ﻳﻌﺼﻮﺍ ﺭﺳﻮﻝ الله، ﻭﻳﻬﻠﻜﻮﺍ، ﻭﻟﺤﻈﺔ ﻗﺎﻝ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺑﻮ اﻟﺤﺼﻴﻦ.

 

ﺇﻧﻪ ﻫﻢّ ﺑﺄﻥ ﻳﺮﺩ ﺃﻣﺮ ﺭﺳﻮﻝ الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، ﻭﻟﺤﻈﺔ ﻗﺎﻝ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻤﺮ بن الخطاب ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺎ ﺷﻚ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺇﻻ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﻮم، فحقا ﺇﻧﻬﺎ ﻗﺼﺔ ﺻﻌﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻲ ﺟﻨﺪﻝ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﻌﺎﻃﻔﻮﺍ ﻣﻌﻪ، ﺛﻢ ﻫﻲ ﺃﺷﺪ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺎﺀﻩ ﺃﺑﻮ ﺟﻨﺪﻝ ﺑﻦ ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺗﻮﻗﻴﻊ ﺻﻠﺢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺒﻴﺔ، ﻳﺮﺳﻒ ﻓﻲ قيودة ﺍﻟﺘﻲ ﻗﻴﺪﻩ ﺑﻬﺎ ﺃﺑﻮﻩ ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻔﻮﺿﻲ ﻗﺮﻳﺶ، ولقد ﻛﺎﻥ ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﻣﻔﺎﻭﺿﺎ ﺷﺮﺳﺎ، ﻭﺧﻄﻴﺒﺎ ﻣﻔﻮﻫﺎ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﺼﻠﺢ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم، ﻳﺮﺩ ﺇﻟﻴﻪ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺟﺎﺀﻩ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ ﻣﻬﺎﺟﺮﺍ ﻣﺆﻣﻨﺎ، ﻭﻻ ﺗﺮﺩ ، ﻗﺮﻳﺶ ﻣﻦ ﺟﺎﺀ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ النبي صلى الله عليه وسلم ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻣﺮ ﺭﺁﻩ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺻﻌﺒﺎ، ﻭﺯﺍﺩ ﻣﻦ ﺻﻌﻮﺑﺘﻪ ﺭﺅﻳﺘﻬﻢ، وﺃﺑﺎ ﺟﻨﺪﻝ ﻳﺮﺳﻒ ﻓﻲ ﺃﻏﻼﻟﻪ.

 

ﻣﺴﺘﺠﻴﺮﺍ ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم، ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻣﻦ ﺑﻄﺶ ﻗﺮﻳﺶ ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﻓﺮﺻﺔ ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﻟﻴﻀﻊ اﻟﺼﻠﺢ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺍﺧﺘﺒﺎﺭ ﺻﻌﺐ، ﻓﻘﺎﻝ ﻫﺬﺍ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﻌﻬﺪ الذي بيننا، ﻭﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﻠﻤﻪ ﺃﺑﻮ ﺟﻨﺪﻝ ﻭﻟﺪﻩ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه ﻭﺳﻠﻢ ﻃﻠﺐ ﻣﻦ ﺳﻬﻴﻞ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺜﻨﻲ ﺃﺑﺎ ﺟﻨﺪﻝ ﻣﻦ ﺍﻻﺗﻔﺎﻕ، ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﻫﺒﻪ ﻟﻲ، ﻭﺭﻓﺾ ﺳﻬﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﺮﺝ ﻟﻘﺘﺎﻝ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻳﻮﻡ ﺑﺪﺭ ﻣﻊ ﻭﻟﺪﻩ ﻋﺒﺪ الله ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﻙ ﺃﺑﺎﻩ ﻭﺍﻧﻀﻢ ﺇﻟﻰ ﺻﻔﻮﻑ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻤﺎ ﻏﺎﻅ ﺫﻟﻚ ﺳﻬﻴﻼ، ﻭﻗﺮﺭ ﺃﻻ ﻳﺘﻜﺮﺭ اﻟﻤﺸﻬﺪ ﻣﻊ ﻭﻟﺪﻩ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺃﺑﻲ ﺟﻨﺪﻝ، وشهد عبد الله أحدا والخندق والمشاهد كلها وقتل باليمامة شهيدا وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، وكان أبا الجندل له قصة عجيبة مع الصحابي الجليل أبي عبيدة عامر بن الجراح، قائد الجيوش في الشام وذلك أن أبا عبيدة بن الجراح بالشام.

 

وجد أبا جندل بن سهيل بن عمرو، وضرار بن الخطاب، وأبا الأزور، وهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد شربوا الخمر، فقال أبو جندل ” ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ” فكتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب إن أبا جندل خصمني بهذه الآية، فكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن الذي زيّن لأبي جندل الخطيئة زين له الخصومة، فأقم عليهم الحد، فقال أبو الأزور أتحدوننا؟ قال أبو عبيدة نعم، قال فدعونا نلقي العدو غدا فإن قتلنا فذاك، وإن رجعنا إليكم فحدونا، فلقي أبو جندل وضرار وأبو الأزور العدو، فاستشهد أبو الأزور، وحدّ الآخران، فقال أبو جندل هلكت، بسبب الذنب الذي ارتكبه، فكتب بذلك أبو عبيدة إلى عمر، فكتب عمر إلى أبي جندل.

 

وترك أبا عبيدة إن الذي زين لك الخطيئة حظر عليك التوبة، فقد قال الله تعالى” حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب ” فلما حج أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خلافته أتاه سهيل بن عمرو فعزاه أبو بكر الصديق بعبد الله، فقال سهيل لقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يشفع الشهيد لسبعين من أهله، فأنا أرجو أن لا يبدأ ابني بأحد قبلي، وقد مات أبا الجندل بالشام في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة من الهجرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى