مقال

الدكرورى يكتب عن الإمام إبن ماجه الربعي القزويني.

الدكرورى يكتب عن الإمام إبن ماجه الربعي القزويني.

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

لقد حثّ الله سبحانه وتعالى على العلم، وبين منزلة العلم والعلماء، والثواب العظيم عند الله تعالى، وإن العلم هو منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على المنهج العلمي دون سواه أو مجموعة المفاهيم المترابطة التي نبحث عنها، وسنتكلم عن عالم من العلماء الذين سعوا وراء العلم، وإمام من الأئمه ألا وهو الإمام إبن ماجه، فهو الإمام الحافظ الكبير أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه الربعي القزوينى، وقد وُلد بقزوين سنة تسع ومائتين من الهجرة، وقد نشأ ابن ماجه في جو علمي، ومن ثم شبّ محبّا للعلم الشرعي عموما، وعلم الحديث خصوصا، فحفظ القرآن الكريم، وتردد على حلقات المحدثين التي امتلأت بها مساجد قزوين، حتى حصل قدرا كبيرا من الحديث، وهو أحد أهل العلم الذين اعتنوا بعلم الحديث فميزوا صحيح الحديث من ضعيفه.

 

وتتبعوا حال رواة الحديث من حيث الجرح والتعديل ومن حيث الضبط والإتقان، وقد كان لهؤلاء المحدثين مناهج معتمدة في دراسة السنة النبوية الشريفة وجمعها وتدوينها، وقد كان لهم فضل عظيم في حفظ السنة النبويه من الزيادة والنقصان وقد أفنى العلماء المشتغلون بعلم الحديث أعمارهم في ذلك فسافروا البلاد وهجروا الزوجة والأولاد، ومن أعلام الحديث الحديث الذين كان لهم هذا الفضل العظيم في حفظ السنة النبوية هو ابن ماجه، وقد هاجر سنة ثلاثين ومائتين من الهجرة في طلب الحديث ومشافهة الشيوخ والتلقي عليهم، فرحل إلى خراسان، والبصرة والكوفة، وبغداد ودمشق، ومكة والمدينة، ومصر، وغيرها من الأمصار، متعرفا على العديد من مدارس الحديث النبوي الشريف، إذ أتاحت له هذه الفرصة أن يلتقي بعدد من الشيوخ في كل قطر.

 

وفي كل بلد ارتحل إليها، وبدأت رحلته في طلب علم الحديث، وكان عمره آنذاك اثنان وعشرون عاما فرحل إلى عدة دول، واستغرقت رحلته ما يقارب خمسة عشرة عاما ليعود بعدها إلى قزوين مشتغلا في التأليف والتصنيف فترك كتابه العظيم سنن ابن ماجة الذي عُد رابع كتب السنن المشهورة إلى جانب مؤلفات عظيمة أخرى طالتها يد الإهمال فكان حليفها الضياع، ونظرا لكثرة أسفاره ورحلاته، فكان له شيوخ في كل قطر وكل مصر ذهب إليه، فكان من شيوخه علي بن محمد الطنافسي الحافظ، وقد أكثر عنه، وإبراهيم بن المنذر الحزامي المتوفى سنة ست وثلاثين ومائتين من الهجرة، وهو تلميذ البخاري، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وجبارة بن المغلس، وهو من قدماء شيوخه، وعبد الله بن معاوية، وهشام بن عمار، ومحمد بن رمح، وداود بن رشيد.

 

وخلق كثير، وقد ذكرهم في سننه وتآليفه، ولم يكن ليقتصر النشاط العلمي لابن ماجه على التأليف فقط، بل تعداه إلى التعليم وإلقاء المحاضرات والدروس، وكان أشهر من روى عنه وتتلمذ على يده علي بن سعيد بن عبد الله الغداني، وإبراهيم بن دينار الجرشي الهمداني، وأحمد بن إبراهيم القزويني جدّ الحافظ أبي يعلى الخليلي، وأبو الطيب أحمد بن روح المشعراني، وإسحاق بن محمد القزويني، وجعفر بن إدريس، ومحمد بن عيسى الصفار، وأبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القزويني الحافظ، وغيرهم من مشاهير الرواة، ولم يخلد الزمان من كتبه غير كتابه سنن ابن ماجه، أحد الصحاح الستة، فقد ضاعت مصنفاته مع ما ضاع من ذخائر تراثنا العظيم، فكان له تفسير للقرآن وصفه ابن كثير في كتابه البداية والنهاية بأنه تفسير حافل، وله أيضا كتاب في التاريخ.

 

وقد أرّخ فيه من عصر الصحابة حتى عصره، وقال عنه ابن كثير بأنه “تاريخ كامل” وطبقت شهرة كتاب سنن ابن ماجه، الآفاق، وبه عُرف ابن ماجه واشتهر، واحتل مكانته المعروفة بين كبار الحفاظ والمحدثين، وهو من أجلّ كتبه وأعظمها وأبقاها على الزمان، وقد عُدّ الكتاب رابع كتب السنن المعروفة، وهي سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ومتمم للكتب الستة التي تشمل إلى ما سبق صحيح البخاري ومسلم، وهي المراجع الأصول للسنة النبوية الشريفة وينابيعها، وكان منهج ابن ماجه في كتابه هذا هو أنه رتبه على كتب وأبواب، حيث يشتمل على مقدمة وسبعة وثلاثين كتابا، وخمسمائة وألف باب، تضم أربعة آلاف وثلاثمائة وواحدا وأربعين حديثا، ومن هذه الأحاديث اثنان وثلاثة آلاف حديث اشترك معه في تخريجها أصحاب الكتب الخمسة.

 

وانفرد هو بتخريج تسعة وعشرين وثلاثمائة وألف حديث، وهي الزوائد على ما جاء في الكتب الخمسة، من بينها ثماني وعشرون وأربعمائة حديثا صحيح الإسناد، وتسعة عشر ومائة حديثا حسن الإسناد، وهذا ما أشار إليه ابن حجر بقوله “إنه انفرد بأحاديث كثيرة صحيحة” وقد أحسن ابن ماجه وأجاد حينما بدأه بباب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساق فيه الأحاديث الدالة على حجية السنة، ووجوب اتباعها والعمل بها، وبعد عمر حافل بالعطاء في الحديث النبوي الشريف دراية ورواية، دارسا ومدرسا ومؤلفا، وتوفي ابن ماجه رحمه الله سنة ثلاث وسبعين ومائتين من الهجرة، يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء، الثاني والعشرين من شهر رمضان، وصلى عليه أخوه أبو بكر، وتولى دفنه أخواه أبو بكر وأبو عبدالله، وابنه عبدالله، عاش ابن ماجه أربعا وستين سنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى