مقال

هارون الرشيد وحادثة البرامكة “جزء 1”

هارون الرشيد وحادثة البرامكة “جزء 1”

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

لقد حاول بعض المؤرخين الربط بين أصل البرامكة وهم مجوس، وبين ما حدث لهم على يد الخليفة العباسي هارون الرشيد، فيما أنهم حاولوا إظهار الزندقة، وإعادة دين المجوس مرة أخرى، وأنهم أدخلوا النار في الكعبة حتى تعبد هناك، والذي ساعد على ترويج هذه الفكرة مصاحبة جعفر بن يحيى لبعض الزنادقة أمثال أنس بن أبي شيخ الذي قتله هارون الرشيد بيده، ولكن هذا السبب بعيد المأخذ، ولا يوجد دليل قوي عليه، وأما عن جيش البرامكة، فإن أصل هذا الجيش كونه الفضل بن يحيى من جند خراسان وتلك البلاد معروفة تاريخيا بولائها للعباسيين، ولكن ميلهم أكثر للطالبيين وآل البيت، وتعداده خمسين ألفا جعل ولاءه له مباشرة دون غيره، ثم استقدم منهم عشرين ألفا لبغداد وسماهم الكرنبية مما حرك هواجس الرشيد، غير أنه لم يتحرك حتى جاءه خبر من والي خراسان علي بن عيسى بن ماهان.

 

أن السبب في اضطراب خراسان هو موسى بن يحيى من بغداد، فتحقق الظن عند الرشيد، واجتمعت عنده كل ما سبق من الأسباب، وعندها قرر الرشيد عند رجوعه من الحج بالإيقاع بالبرامكة، وفى قصة البرامكه، يروي خادم الخليفة هارون الرشيد أن الخليفة قد أرسله ثلاث مرات متتالية من أجل أن يقتل جعفر بن يحي البرمكي، ويأتيه برأسه فكان الخادم كلما ذهب إليه عاد خاوي اليدين، فكان البرمكي يقنعه بأن الرشيد قد أمره بما أمره به وهو سكران ولا يعي ما يقول حتى فاض بالرشيد فوبخ الخادم ونهره وقال له لئن لم تأتيني برأسه، لأرسل لك من يأتيني برأسك، فما كان منه سوى أن ذهب إلى البرمكي وعاد برأسه كما أمره الرشيد، وقيل إنما نكبت البرامكة ما كان من استبدادهم على الدولة، واحتجانهم أموال الجباية، حتى كان الرشيد يطلب اليسير من المال فلا يصل إليه.

 

فغلبوه على أمره، وشاركوه في سلطانه، ولم يكن له معهم تصرف في أمور ملكه، فعظمت آثارهم، وبعد صيتهم، وعمروا مراتب الدولة وخططها، بالرؤساء من ولدهم وصنائعهم، واحتازوها عمن سواهم، من وزارة، وكتابة، وقيادة، وحجابة، وسيف، وقلم، ويقال إنه كان بدار الرشيد، من ولد يحيى بن خالد، خمسة وعشرون رئيسا، من بين صاحب سيف وصاحب قلم، زاحموا فيها أهل الدولة بالمناكب، ودفعوهم عنها بالراح، لمكان أبيهم يحيى من كفالة هارون، ولي عهد، وخليفة، حتى شب في حجره، ودرج من عشه، وغلب على أمره، وكان يدعوه يا أبت، فتوجه الإيثار من السلطان إليهم، وعظمت الدالة منهم، وانبسط الجاه عندهم، وانصرفت نحوهم الوجوه، وخضعت لهم الرقاب، وتخطت إليهم من أقصى التخوم، هدايا الملوك، وتحف الأمراء، وسيرت إلى خزائنهم.

 

في سبيل التزلف والإستمالة، أموال الجباية، وأفاضوا في رجال الشيعة يريد شيعة بني العباس وعظماء القرابة، العطاء، وطوقوهم المنن، وكسبوا من بيوتات الأشراف، المعدم، وفكوا العاني، ومدحوا بما لم يمدح به خليفتهم، وأسنوا لعفاتهم الجوائز والصلات، واستولوا على القرى والضياع، حتى آسفوا البطانة، وأحقدوا الخاصة، وأغصوا أهل الولاية برامكة، وقد اختلف المؤرخون كثيرا في تعليل الأسباب التي دفعت الخليفة العباسي هارون الرشيد للتنكيل بالبرامكة، وقيل إن السبب الأكبر في نكبة البرامكة كانت هي غيرة الرشيد منهم، وحبه لاسترجاع سلطانهم وأموالهم، وهذا ما رواه الجهشياري من أن يحيى لما أحس من الرشيد تغيّره عليه ركب إلى صديق له من الهاشميين، فشاوره في هذا الموقف، فقال له الهاشمي إن أمير المؤمنين قد أحب جمع المال، وقد كثر ولده، فأحب أن يجمع لهم الضياع.

 

فلو نظرت إلى ما في أيدي أصحابك من ضياع وأموال فجعلتها لولد أمير المؤمنين، وتقربت بها إليه رجوت لك السلامة، فهذا يدل على أن من أكبر أسباب غضب الرشيد على البرامكة أيضا هو حسده لهم وطمعه في أموالهم، وليس المال يقصد لذاته، وإنما يقصد للسلطان والعظمة فإذا طمع الرشيد في مالهم فطمعه في سلطانهم أشد، خصوصا وأن الرشيد قد كبر وفهم المسئولية وقدر عليها، فأراد أن يزحزحهم عن سلطانهم، ويقوم بمقامهم، وقد أخذ الرشيد من كل ما فكر وشاور يقضي على البرامكة قضاء شنيعا فقتل بعضهم، وسجن بعضهم إلى أن يموت، وقتل من تولاهم من الشعراء، ومن كان يقف ببابهم، وتنتهي بذلك دولة البرامكة، ويسترد الرشيد سلطانه، ويعيد إلى نفسه سلطانهم وعظمتهم، وقد أقرأ المؤرخون بهذا الاختلاف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى