مقال

أصل الحياة الطيبة ” جزء 5″

أصل الحياة الطيبة ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع أصل الحياة الطيبة، وهذا الحديث كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم، أيضا في الصلاة” أعوذ بك من المأثم والمغرم” فقال له قائل ما أكثر ما تستعيذ من المغرم، فقال “إن الرجل إذا غرم حدّث فكذب ووعد فأخلف “رواه البخاري ومسلم، وهذا حال المديونين من الناس، فإنهم يقولون غدا سوف أعطيك، وهو كذاب ويعده إلى الوقت الفلاني وهو كذاب، وكذلك فإن من أعظم الكذب الكذب على الله بتحليل ما حرمه أو بتحريم ما أحله، أو إسقاط ما أوجبه وإيجاب ما لا يجب، أو كراهة ما أحبه واستحباب ما كرهه، هذه من أعظم الكذب، وكذلك الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم” إن كذبا عليّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ” رواه البخاري ومسلم.

 

وهذه خطورة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك فإن للكذب علامات وأمارات كما قلنا في الصدق، فمن علامات الكذاب، أنك إذا لقنته حديثا تلقنه ولم يكن بينه وبين ما حكيته فرق عنده، وأخذ مباشرة أي شيء تقوله، أنك إذا شككته فيه تشكك حتى يكاد يرجع عنه، وإنك إذا رددت عليه قوله، حُصر وارتبك ولم يكن عنده نصرة المحتجين، ولا برهان الصادقين، إذا رددت عليه أبلس، أما الصادق إذا رددت عليه قوله ثبت عليه، وكذلك ما يظهر عليه من الريبة والتخبط في الكلام، لأن هذا لا يمكن أن يدفعه عن نفسه، كما قالوا الوجوه مرايا تريك أسرار البرايا، ومن أضرار الكذب، أن الكذاب ينسب إليه حتى الأشياء التي لم يكذب فيها، فيكذب على الكذاب، ولو تحرى الصدق يبقى متهما، وإذا عرف الكذاب بالكذب لم يكد يصدق في شيء وإن كان صادقا.

 

ومن آفة الكذاب نسيان كذبه، ولذلك فإن الكذاب يكون في منزلة وضيعة بين الناس، ولكن هل هناك أمور يجوز فيها الكذب؟ فإن الجواب هو نعم، فإنه يجوز الكذب في الحرب، وإصلاح ذات البين، وبين الزوجين، والنبي صلى الله عليه وسلم، قد استخدم التورية، ولذلك نقول الكذب يجوز في حالات لكن اللجوء إلى التورية أحسن، وإن الصحابى الجليل أبو بكر الصديق رضى الله عنه قد استخدم التورية فسئل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن معه فقال هذا هاد يهديني السبيل “رواه البخاري، فظنوا أنه على هداية الطريق وهو على هداية سبيل الخير، وإن من الأشياء التي يجوز الكذب فيها هو بين الزوجين، ليس الكذاب الذي ينمي خيرا أو يقول خيرا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم” ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا ” رواه البخاري ومسلم.

 

أو ليصلح ما بينه وبين زوجته لو كذب عليها فإنه لا يعتبر بذلك كاذبا ولكن الإنسان يستخدم المعاريض كما ذكرنا، وإن من الكذب الذي يقع هو ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، مخاطبا به بعض النساء ” لا تجمعن جوعا وكذبا” فقد قدم لبن فأمر بتقديمه لبعض النساء فقلن لا نشتهي فقال ” لا تجمعن جوعا وكذبا “رواه أحمد وابن ماجة، وهذه حال كثير من الناس يأتيك في البيت تريد أن تضيفه فيقول لا أشتهي ولا أريد, وهو يشتهي لكن يعتبر أنها من الحرج أو شيء من هذا القبيل فيكون قد وقع في الكذب، إما أن يقول لا أريد لكن يقول لا أشتهي وهو يشتهي فهذا من الكذب، وإن الصدق مع الله تعالى هو الذي يبعث على الافتداء بكل غالى ورخيص في سبيل رضوان الله عز وجل ومحبته ونصرة دينه مهما كانت التضحية ومهما كان الثمن غاليا.

 

فالصدق مع الله عز وجل هو الذي دفع بطلحة أن يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أحد حتى شُلت يده رضي الله عنه، والصدق مع الله هو الذي دفع بسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أحد، وكان يناوله النبل ويقول “ارم ياسعد، فداك أبي وأمي” والصدق مع الله هو الذي حدا بأبي طلحة أن يستبسل في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشركون محيطون به وأبو طلحة يقول “يانبي الله، بأبي أنت لا تشرف إلى القوم ألا يصيبك منهم سهم، نحري دون نحرك” أي جعل الله نحري دون نحرك، وهذا الشأن هو الذي دفع بنسيبةَ بنت كعب رضي الله عنها في أحد أن تذبّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف وترمى بالقوس وتصاب بجراح كثيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى