مقال

شيخ الإسلام إبن تيمية ” جزء 2″

شيخ الإسلام إبن تيمية ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع شيخ الإسلام إبن تيمية، وحين أشيع في دمشق قصد التتار الشام، فعمل ابن تيمية على حث ودفع المسلمين في دمشق على قتالهم، وتوجهه أيضا إلى السُلطان في مصر وحثه هو الآخر على المجيء لقتالهم، إلا أن التتار رجعوا في ذلك العام، وقد اشترك ابن تيمية في معركة شقحب، والتي انتهت بانتصار المماليك على التتار، وقد عمل فيها على حث المسلمين على القتال، وتوجه إلى السُلطان للمرة الثانية يستحثه على القتال فاستجاب له السلطان، وقد أشيع في ذلك الوقت حكم قتال التتار حيث أنهم يظهرون الإسلام، فأفتى ابن تيمية بوجوب قتالهم، وأنهم من الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام، وخرج ابن تيمية رحمه الله أيضا مع نائب السلطنة في دمشق لقتال أهل كسروان وبلاد الجرد، من الإسماعيلية والباطنية والحاكمية والنصيرية.

 

وقد ذكر في رسالة للسلطان أن سبب ذلك هو تعاونهم مع جيوش الصليبيين والتتار، وقد ظهر أثر ابن تيمية في أماكن مختلفة من العالم الإسلامي، فقد ظهر في الجزيرة العربية في حركة محمد بن عبد الوهاب، وظهر أثره في مصر والشام في محمد رشيد رضا من خلال الأبحاث التي كان ينشرها في مجلة المنار، وظهر تأثيره في المغرب العربي في الربع الثاني من القرن العشرين عند عبد الحميد بن باديس وفي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وانتقل تأثيره إلى مراكش على أيدي الطلبة المغاربة الذين درسوا في الأزهر، وهناك من يقول أن تأثيره في مراكش أقدم حينما ظهر تأييد السلطانين محمد بن عبد الله وسليمان بن محمد لحركة محمد بن عبد الوهاب، وأنه ظهر في موجة ثانية في أوائل القرن العشرين على يد كل من القاضي محمد بن العربي العلوي.

 

وعلال الفاسي، وفي شبه القارة الهندية فقد وصلت آراؤه إلى هناك مبكرا في القرن الثامن الهجري بعد قدوم بعض تلاميذه إليها، منهم عبد العزيز الأردبيلي وعلم الدين سليمان بن أحمد الملتاني، واختفى أثره فيها إلى القرن الحادي عشر الهجري، حتى ظهرت الأسرة الدهلوية ومنها ولي الله الدهلوي وابنه عبد العزيز الدهلوي وإسماعيل بن عبد الغني الدهلوي الذين كانوا كلهم متأثرين بابن تيمية، وقيل أنه ما يبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى، فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به، وكان ابن تيمية لا تأخذه في الحق لومة لائم، وليس عنده مداهنة، وكان مادحه وذامه في الحق عنده سواء، وتوفي الإمام ابن تيمية رحمه الله ليلة الاثنين، العشرين من شهر ذي القعدة، سنة ثماني وعشرين وسبعمائة من الهجرة.

 

وذلك بقلعة دمشق التي كان محبوسا فيها، وقد عاش ابن تيمية سبعا وستين سنة وأشهرا ، وقد أخرجت جنازة الإمام ابن تيمية إلى جامع دمشق، وصلوا عليه الظهر، وكان يوما مشهودا، وقيل أنه لم يعهد بدمشق مثله، وقال رجل بصوت مرتفع هكذا تكون جنائز أئمة السنة، فبكى الناس بُكاء كثيرا، واشتد الزحام، وألقى الناس على نعشه مناديلهم، وصار النعش على الرؤوس يتقدم تارة، ويتأخر أخرى، وخرجت جنازته من باب الفرج، وازدحم الناس على أبواب المدينة جميعا للخروج، وعظم الأمر بسوق الخيل، وتقدم في الصلاة عليه هناك أخوه عبدالرحمن، وتم دفنه وقت العصر، أو قبلها بيسير إلى جانب أخيه شرف الدين عبدالله بمقابر الصوفية، وقيل أنه بلغ عدد الذين حضروا جنازة الإمام ابن تيمية رحمه الله أكثر من خمسمائة ألف شخص، وقال العارفون بالتاريخ لم يُسمع بجنازة بمثل هذا الجمع إلا جنازة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى