مقال

الدكروري يكتب عن غزوة الخندق “جزء 2”

الدكروري يكتب عن غزوة الخندق “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع غزوة الخندق، وفي الفترة التي خرج فيها يهود بني النضير إلى خيبر، كانوا لم يزالوا يكنون الحقد والبغض على المسلمين، ويتحيّنون الفرص للانتقام منهم شر انتقام، فما لبثوا أن استقروا في خيبر حتى بدؤوا يخططون للانتقام، فقاموا بمقابلة زعماء القبائل العربية وحرضوهم على قتال المسلمين، فبعثوا منهم وفدا إلى قريش ليحرضوهم على غزو المدينة، ووعدوهم بالقتال والموالاة حلفاء جنبا إلى جنب، فوافقت قريش لأنها أرادت أن تعيد مكانتها أمام العرب، ووافقت قبيلة غطفان أيضا أن تقاتل معهم، واستجاب لدعوات الوفد عدد من القبائل العربية أيضا، وبذلك نجح يهود بني النضير بتجميع عدد من القبائل في جيش واحد لمحاربة المسلمين في المدينة المنورة، فوافقت قريش بقوة وأعدت الجيوش والعتاد والخيول راغبة.

 

بفك الحصار الاقتصادي الذي قام به المسلمون على قريش بعد أن هاجموا طريق قوافلها إلى الشام، وأما غطفان فقد وافقت وعقدت اتفاقا مع يهود بني النضير، وهو أن تدفع قبيلة غطفان جيشا كامل العتاد قوامه ستة آلاف مقاتل، ويهود بني النضير مقابل هذا الجيش تمر خيبر لمدة عام كامل وكان ما خطط له يهود بني النضير، وخرجت الجيوش من الجنوب، وهي جيوش قريش وكنانة وكان قوامها أربعة آلاف مقاتل بقيادة صخر بن حرب أبي سفيان، واتجهت جيوش قبائل غطفان وبنو مرة وبنو أسد، وتجمعوا حول المدينة وتحزبوا في جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل، أربعة آلاف من قريش وحلفائها، وستة آلاف من غطفان وحلفائها، وقد عسكرت قرش ومن معها من جيوش الأحزاب والتي بلغ تعدادهم عشرة آلاف جندي في مجتمع الأسيال من رُومة.

 

بينما عسكرت غطفان ومن معها من أهل نجد في منطقة تدعى ذنب نقمى وهي منطقة قريبة من جبل أحد، وعسكر المسلمون الذين كان قوامهم ثلاثة آلاف مقاتل خلف الخندق، حيث يقع الخندق بين جيش الأحزاب وجيش المسلمين المتحصّن في المدينة ، وبدأ جيش الأحزاب الهجوم على المدينة فتعجبت جيوش الأحزاب من هذه الخطة الدفاعية التي لم تعرفها العرب من قبل، وأخذوا يحاولون عبثا عبور الخندق ولكنهم فشلوا بسبب ضخامة الخندق، ويقظة المسلمين في الجهة الأخرى، حيث كان المسلمون يستقبلون من يستطيع من جيش المشركين القفز فوق الخندق، كأحد فرسان قريش وهو عمرو بن عبد ود الذي قتله الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد مبارزة عنيفة، واستمر الحال على ما هو عليه حتى اجبرت جيوش الأحزاب بالتراجع والانسحاب.

 

بعد فشلهم بالدخول إلى المدينة المنورة واجتياز الخندق الذي حفره المسلمون، وعاد المشركون وفرضوا حصارا آخرا على المدينة، وعندما طال الحصار ساق الله تعالى الفرج للمسلمين، فأتى رجل من بني غطفان اسمه نعيم بن مسعود الغطفاني وأعلن إسلامه، وذهب إلى بني قريظة الذين غدروا برسول الله صلي الله عليه وسلم من قبل وأقنعهم أن يأخذوا رهائن من قريش ومن معها تحسبا لأي انسحاب يقلب أحوال الحرب ليضمن بنو قريظة استمرار الحرب، ثم ذهب هذا الرجل إلى الأحزاب وأخبرهم أن يهود بني قريظة ندموا على فعلتهم بنقض عهدهم مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبلغهم أن بني قريظة أخبروا محمدا بن عبد الله أنهم سيطلبون من قريش رهائن تضمن لهم استمرار الحرب، وأنهم سيدفعون بالرهائن إلى محمد ليظهروا له حسن نيتهم.

 

وهكذا زرع هذا الرجل الغطفاني الشك في صدور الاحزاب ومن معهم من يهود بني قريظة، إضافة إلى فشلهم في اجتياز الخندق، وإضافة إلى ما بعث الله تعالى على خيام الأحزاب من البرد والريح، كل هذه الأسباب أدت إلى انتصار المسلمين على جيوش الكافرين وتحقيق وعد الله الذي وعده لعباده الصالحين، وعندما اشتد الكرب على المسلمين أكثر مما سبق، حتى بلغت القلوب الحناجر، توجهوا إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم وقالوا ” يا رسول الله، هل من شيء نقوله ؟ فقد بلغت القلوب الحناجر ” فقال ” نعم اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ” فاستجاب الله دعاءهم وأنزل السكينة في قلوبهم، وصرف الله الأحزاب بحوله وقوته، وزلزل أبدانهم وقلوبهم، وشتت جمعهم بالخلاف، ثم أرسل عليهم الريح الباردة الشديدة، وألقى الرعب في قلوبهم.

 

وأنزل جنودا من عنده سبحانه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده ” وانتهت غزوة الخندق بانسحاب الأحزاب، وذلك بسبب تعرضهم للريح الباردة الشديدة، ويؤمن المسلمون أن انتصارهم في غزوة الخندق كان لأن الله سبحانه وتعالى زلزل أبدان الأحزاب وقلوبهم، وشتت جمعهم بالخلاف، وألقى الرعب في قلوبهم، وأنزل جنودا من عنده، وبعد انتهاء المعركة، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصحابه بالتوجه إلى بني قريظة، فحاصروهم حتى استسلموا، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بتحكيم سعد بن معاذ فيهم، فحكم بقتلهم وتفريق نسائهم وأبنائهم عبيدا بين المسلمين، فأمر النبي صلي الله عليه وسلم بتنفيذ الحكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى