مقال

الدكرورى يكتب عن موقعة الجمل ” جزء 6″

الدكرورى يكتب عن موقعة الجمل ” جزء 6″

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع موقعة الجمل، ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس، فلما قال هذا اجتمع من رؤوسهم جماعة كالأشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء وغيرهم في ألفين وخمسمائة، وليس فيهم صحابي ولله الحمد، فقالوا ما هذا الرأي؟ وعلي والله أعلم بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان، وأقرب إلى العمل بذلك، وقد قال ما سمعتم، غدا يجمع عليكم الناس، وإنما يريد القوم كلهم أنتم، فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم، فقال الأشتر قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلا اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم، فإنما اصطلح على دمائنا، ثم قال ابن السوداء قبحه الله يا قوم إن عيركم في خلطة الناس، فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون.

 

ولنعلم جميعا ان الفتن تموج موج البحر وهي كالقطر وهي كالحيات وهي كقطع الليل المظلم، وبسببها يبدل الإنسان دينه، فهكذا شبه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الفتن، فقد فصلها ووضحها وحذر منها وبيّن علاماتها وكيفية المخرج منها، بل كان يقول في الصلاة بعد التحيات ” أعوذبالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ” وما فصل النبي صلى الله عليه وسلم الفتن وذكرها إلا لأنه رؤوف رحيم يخاف علينا، وبعد قتال مرير أفلح فريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه في عقر الجمل، ولما وقع الجمل انهارت معنويات جيش السيدة عائشة رضي الله عنها وبدأ الناس يفرون، وأصبح النصر في جانب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ورُشق هودج السيدة عائشة رضي الله عنها.

 

قبل أن يسقط بالرماح من كل جانب حتى أصبح مثل القنفذ كما يقول الرواة، ويأمر علي رضي الله عنه الناس بالكف عن ضرب الهودج بالسهام، والسهام لا تفرق بين الجمل، والهودج منها ما يرمي به أهل الفتنة، ومنها ما هو غير مقصود، واجتمع المسلمون على هودج السيدة عائشة، فرفعوه من على الجمل المعقور ووضعوه على الأرض، وأمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن تنصب على الهودج قبّة، فنصبت عليه خيمة حتى يُحفظ سترها رضي الله عنها، وجاءها أخوها محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وكان مشاركا في حصار عثمان رضي الله عنه، لكنه تاب، وندم، وبكى، وعاد إلى صف المسلمين وحاول أن يرد القتلة بسيفه عن عثمان رضي الله عنه، لكنه لم يستطع، وبعد ذلك بايع علي رضي الله عنه.

 

وها هو الآن يقاتل في صف علي رضي الله عنه، فقال للسيدة عائشة رضي الله عنها هل وصل إليك شيء من الجراح فقالت له لا، وما أنت بذاك، مما يدل على عدم رضاها عنه لما فعله ابتداء في حق عثمان رضي الله عنه، ثم جاء عمار بن ياسر رضي الله عنه وكان عمره يومئذ تسعين سنة بينما كان عمر السيدة عائشة رضي الله عنها أربعا وأربعين، أو خمسا وأربعين سنة، فقال لها رضي الله عنه كيف أنتي يا أم؟ فقالت لست لك بأم ، فقال بلى، أمي وإن كرهتي، وجاء إليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مسلما، وسائلا فقال كيف أنت يا أم؟ فقالت بخير، فقال يغفر الله لكي وفي رواية فقالت ولك، وجاء وجوه الناس من الأمراء والأعيان من جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه يسلمون على أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها.

 

فما زالوا يعظمون هذه السيدة التي هي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها حتى نهاية المعركة كانت على يقين تام، بعد اجتهادها، أنها على الحق، وكانت أعلم الناس، وأكثر الناس رواية لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي هريرة رضي الله عنه، وكان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقول كان إذا أشكل علينا حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدنا عند عائشة علما من كل حديث وقد كانت رضي الله عنها أحبّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإطلاق، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته، فقلت أي الناس أحب إليك؟ قال عائشه، فقلت من الرجال؟ فقال أبوها، قلت ثم من؟ قال ثم عمر بن الخطاب، فعد رجالا” رواه البخارى ومسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى