مقال

الدكروري يكتب عن الرحلة الأرضية والسماوية ” جزء 3″ 

الدكروري يكتب عن الرحلة الأرضية والسماوية ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الرحلة الأرضية والسماوية، ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم قريشا بما كان في هذه الليلة العظيمة، يخبرهم بمسراه من مكة الى بيت المقدس، ومعراجه من بيت المقدس الى السماء، ولقاءه بجبار السماوات والأرض، ويرتد ناس ممن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وهم بعض ضعاف العقيدة قد ارتدوا بعد الاسراء والمعراج، وجاءت قريش الى أبي بكر بن أبي قحافة رضى الله عنه، يقولون له انظر ما قاله صاحبك إنه يدعي أنه أتى في بيت المقدس وعاد في ليلة، ونحن نضرب إليه أكباد الإبل شهرا ذهابا وشهرا إيابا، فقال أبو بكر رضي الله عنه وهو قال ذلك، قالوا نعم ، قال إن كان قد قال فقد صدق، وإن من عجائب ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسراء ما رواه الطبراني والبزار.

 

من أنه صلى الله عليه وسلم رأى المجاهدين في سبيل الله وكيف كان حالهم ورأى تاركي الصلاة وكيف كان حالهم والذين لا يُؤدون الزكاة وكيف كان حالهم والزناة وكيف كان حالهم والذين لا يؤدون الأمانة وكيف كان حالهم وخطباء الفتنة وقد رءاهم تقص ألسنتهم بمقَصات من نار وما أكثرهم في أيامنا هذه، ورأى صلى الله عليه وسلم الذين يتكلمون بالكلمة الفاسدة وما أكثرهم في أيامنا هذه، ورأى إبليس ورأى الدنيا بصورة عجوز، ورأى صلى الله عليه وسلم ءاكلي الربا وكيف كان حالهم ورأى ءاكلي أموال اليتامى وكيف كان حالهم ورأى صلى الله عليه وسلم شاربي الخمر وكيف كان حالهم، والذين يمشون بالغيبة، وكيف كان حالهم ثم شم رائحة طيبة من قبر ماشطة بنت فرعون وكانت مؤمنة صالحة، ويقول الله تعالي في سورة الإسراء ” سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله، لنرية من آياتنا إنه هو السميع البصير”.

 

وفي النهاية فإنها تسير حياة الأغلب منا بعكس ما يحب لها أن تسير، فقد أصبح الاهتمام بسُبل العيش والرزق يطغى على جانب العبادة، ويُعلق ابن القيم حول هذا المعنى فيقول “مشكلة كثير من الناس الاهتمام بالرزق على حساب العبادة، مع العلم أن الرزق والأجل قرينان لا يفترقان، فطالما هناك أجل للمرء هناك رزق وذلك كي تتفرغ لعبادته سبحانه، وإن العبادة كما عرّفها أهل العلم هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة إذ هي الوظيفة العظمى التي خلقنا من أجلها، والعمل الأسمى المطلوب منا، والجزاء هو نجاح في الدنيا وفلاح في الآخرة، وإن الفرد الذي يتمتع بقدر من المعرفة والفهم يدرك جيدا أن الأولى هو قضاء الأوقات، وإن هناك وقفات مع هذه الرحلة العظيمة، رحلة الإسراء والمعراج، فالوقفة الأولى وهي في قوله تعالى “سبحان”

 

فقد بدأت الآية بالتسبيح، والتسبيح هو تنزيه الله سبحانه وتعالى عن أي عجز أو نقص لا يليق بذاته العلية، أو صفاته أو أفعاله، فإذا تنزه الخالق عن قانون البشر، فلا غرابة إذا أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكلمة سبحان هي في اللغة، هي اسم مصدر، ورغم أن التسبيح ورد في القرآن الكريم بصيغة الفعل الماضي مثل قوله تعالي ” سبح لله” وبصيغة الفعل المضارع مثل قوله “يسبح لله” وبصيغة فعل الأمر مثل قوله “فسبح باسم ربك العظيم” إلا أنه ورد في هذه الآية الكريمة بصيغة المصدر وهو “سبحان” لأن ميزة المصدر الثبات والاستمرار، فالله تعالى أهل للتسبيح سواء كان هناك من يسبحه من خلقه أو لم يكن لأن المصدر حدث مجرد لا يقترن بزمن، وأما عن الوقفة الثانية، وهي في قوله تعالى ” أسرى بعبده” والمراد “بعبده” بإجماع المفسرين.

 

هو رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم ولكن الله تعالى لم يقل “بمحمد” ولم يقل “برسوله” لأن الدين كله قائم على تصحيح عبودية الإنسان لله عز وجل على وجه هذه المعمورة، ولأن الإنسان مهما عظم فلا يعدو أن يكون عبدا لله، وهذا المقام مقام تشريف، ومقام العبودية لله تعالى لا يعدله مقام، فوصف رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه عبد لله، وهو تكريم له وإظهار لمكانته ورفع لذكره، ثم إن في هذا الوصف دليلا قاطعا على أن الإسراء كان بالروح والجسد معا، لأن كلمة العبد لا تطلق على الروح وحدها، ولا على الجسد وحده، إنما تطلق على الروح والجسد معا، وهذا ما قال به العلماء، إذ لو كان الإسراء بالروح فقط لما أنكر ذلك أحد من قريش، والنائم تسري روحه إلى آفاق بعيدة في هذا الكون الواسع ولا ينكر عليه أحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى