مقال

الدكروري يكتب عن تحويل القبلة في الشريعة الإسلامية ” جزء 9″

الدكروري يكتب عن تحويل القبلة في الشريعة الإسلامية ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء التاسع مع تحويل القبلة في الشريعة الإسلامية، ومعنى الآية كما قال الحافظ ابن كثير في تفسيره إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولا إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتبعك، ويطيعك، ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبيه، أي مرتدا عن دينه، وقوله تعالي “وإن كانت لكبيرة” أي هذه الفعلة، وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أي وإن كان هذا الأمر عظيما في النفوس، إلا على الذين هدى الله قلوبهم، وأيقنوا بتصديق الرسول صلي الله عليه وسلم، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه، وأن الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، فله أن يكلف عباده بما شاء، وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التامة، والحجة البالغة في جميع ذلك، بخلاف الذين في قلوبهم مرض، فإنه كلما حدث أمر.

 

أحدث لهم شكا، كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق، ولهذا كان من ثبت على تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في ذلك، وتوجه حيث أمره الله من غير شك ولا ريب، من سادات الصحابة، وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا القبلتين، وإن وقوع النسخ في أحكام الشريعة لا يتعارض مع علم الله تعالى بالغيب، وإنما يقع لحكمة قد علمها الله سلفا في ربط بعض الأحكام بأمد معين، أو بظرف معين، فالعلة المذكورة في قوله تعالى ” إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب علي عقبية” إنما هي لحكم تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وأما ما ذكره بعض أهل العلم من تأليف قلوب اليهود، فإنما كان لبيان الحكمة من التوجه الأول إلى بيت المقدس، فهما أمران مختلفان، فالتوجه إلى البيت المقدس أولا له حكمته.

 

والتحويل إلى الكعبة بعد ذلك له حكمته، وقال الطبري في تفسير قوله تعالى ” وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول” قال أي وما جعلنا صرفك عن القبلة التي كنت عليها، وتحويلك إلى غيرها، كما قال جل ثناؤه ” وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس” بمعنى وما جعلنا خبرك عن الرؤيا التي أريناك، وذلك أنه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أري، لم يكن فيه على أحد فتنة، وكذلك القبلة الأولى التي كانت نحو بيت المقدس، لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة، لم يكن فيها على أحد فتنة ولا محنة، وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير، ولعل الآية ويعني قوله تعالى ” ولن ترضي عنك اليهود ولا النصاري حتي تتبع ملتهم” تشير إلى أن استقبال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة إلى القبلة التي يستقبلها اليهود لقطع معذرة اليهود.

 

كما جاء في قوله تعالى “وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه” فأعلم رسوله بقوله “ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى” بأن ذلك لا يلين من تصلب اليهود في عنادهم، فتكون إيماء إلى تمهيد نسخ استقبال بيت المقدس، وهنا نشير إلى خلاف أهل العلم في التوجه الأول إلى بيت المقدس، هل كان بوحي وأمر من الله، أم كان باختيار النبي صلى الله عليه وسلم واجتهاده؟ وعلى الاحتمال الثاني ذكر بعض أهل العلم أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان تألف اليهود ليؤمنوا به ويتبعوه، وقال الطبري في تفسيره أنه قد اختلف أهل العلم في ذكر السبب الذي كان من أجله يُصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس، قبل أن يفرض عليه التوجه شطر الكعبة، فقال بعضهم كان ذلك باختيار من النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وأسند تحت هذا القول أثرا عن عكرمة والحسن البصري، وفيه فاستقبلها النبي صلى الله عليه وسلم سبعة عشر شهرا، ليؤمنوا به ويتبعوه، ويدعو بذلك الأميين من العرب، وعن أبي العالية قال إن نبي الله صلى الله عليه وسلم خُيّر أن يوجه وجهه حيث شاء، فاختار بيت المقدس لكي يتألف أهل الكتاب، قم قال وقال آخرون بل كان فعل ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بفرض الله عز ذكره عليهم، فإن المسلمين صلوا إلى بيت المقدس بعد الهجرة النبوية مدة ستة عشر شهرا أو سبعة عشر، كما ثبت في حديث الصحيحين عن البراء قال صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا ثم صرفنا نحو الكعبة، وقد وفق ابن حجر بين الروايتين أنهم توجهو إليه مدة ستة عشر شهرا وليالي من السابع عشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى