اخبار مصر

الدكروري يكتب عن موقف الشرع من الشهادة ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن موقف الشرع من الشهادة ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع موقف الشرع من الشهادة، فقال الله تعالى فى سورة المائدة “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط” أى كونوا قوامين بالحق لله عز وجل، لا لأجل الرياء والسمعة وكونوا شهداء بالعدل لا بالجور، وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال نحلني أبي نحلا، فقالت أمي عمرة بنت رواحه، لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه ليشهده على صدقتي، فقال ” أكل ولدك نحلت مثله؟ ” قال لا، فقال صلى الله عليه وسلم ” اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم” وقال” إني لا أشهد على جور ” قال فرجع أبي فرد الصدقة، فهذا دليل على أن الإنسان لا يجوز له أن يشهد على الجور لأن شهادته ستكون وسيلة لثبوته، فيكون معينا على الجور، وقد لعن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم.

 

آكل الربا وشاهديه وكاتبه، لأن كتابة عقود الربا والشهادة عليها، هى وسيلة لإثباتها وإعانة على تعاطيها، ويجب على الإنسان أن يشهد بالحق ولو على نفسه أو أقرب الناس إليه، لا تأخذه في ذلك لومة لائم ولا يصرفه عن ذلك طمع أو خوف أو محاباة، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة النساء ” يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين” أى اشهد بالحق ولو عاد ضرر ذلك عليك، وإذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه ولو عادت مضرته عليك، فإن الله تعالى سيجعل لمن أطاعه فرجا ومخرجا من كل أمر يضيق عليه، وإن كانت الشهادة على والديك وقاربتك فلا تراعهم فيها، فإن الحق حاكم على كل أحد، ولا تراع غنيا لغناه، ولا فقيرا لفقره في أمر الشهادة، فالله عز وجل، أولى بهما منك وأعلم بما فيه صلاحهما.

 

فالله أرحم بعباده منكم فقد تظنون أن في الشهادة عليهم مضرة، وفي الحقيقة أن الشهادة عليهم فيها رحمة بهم ومصلحة لهم في تخليصهم من المظالم وتطهيرهم من المآثم، وإن الشهادة ليست مجرد قول باللسان ولكنها كلمة يترتب عليها عدل أو جور وتبنى عليها الأحكام، وتنزع بها حقوق، وتسفك بها دماء، ويفرق بها بين زوجين، فاتقوا الله فيمن تشهدون عليه، وفيمن تشهدون له، وتثبتوا فيما تنطقون به، فلقد جاء الإسلام بحفظ الحقوق وتحقيق العدل بين الناس بكل وسيلة مشروعة وفي سبيل ذلك شرع الطرق المختلفة لإثبات الحقوق وبيانها عند التنازع لأن الناس لو يعطون بدعاواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن القاعدة العامة في ذلك هو أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وأهم طرق إثبات الحقوق التي يستدل بها القضاة.

 

ويحكمون بموجبها هي الشهادة، وقد أولاها الله جل وعلا عناية كبيرة، وأكد عليها، ورتب على الكذب فيها إثما عظيما، فإن حاجة الناس لا تستقيم بدون الشهادة، ففيها حفظ الحقوق والأرواح والأموال والأنساب والعقول، وهي الطريق الواضح لإنصاف المظلومين وردع الظالمين وحسم التنازع بين المتخاصمين، فقال بعض السلف ما أوعد الله على شيء كإيعاده على كتمان الشهادة، فإن قوله تعالى” فإنه آثم قلبه” يراد به مسخ القلب، وخص القلب بذلك لأنه موضع العلم بالشهادة، وقد أوجب الله تعالى الشهادة بالحق ولو على النفس أو الوالدين والأقربين لا يمنعه من ذلك طمع دنيوي أو خوف من أحد أو محاباة لقريب أو عزيز، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ألا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب من أجل، ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم” رواه احمد.

 

ومع أهمية الشهادة وعظمها وضرورتها لإثبات الحقوق إلا أن بعض الناس تساهل فيها وركب مركبا صعبا، فمن الناس من يشهد بما لم يره أو يعلم عنه وإنما تأخذه العاطفة أو الحماس أو الطمع الدنيوى، ومن مظاهر التساهل أن البعض يصدق خبر من يطلب الشهادة حيث يقول له أنا ملكت الأرض الفلانية أبا عن جد وملكها ثابت وأريدك تشهد معي أنها ملكنا، أو يقول له إن الأرض ليست ملكا لأحد وهي أرض بور وشهادتك لا تضر أحدا لأني إن لم آخذها أخذها غيرى، فيشهد بعض الناس ظنا منه أنه لا يضر أحدا، وما علم هؤلاء أن الإثم هنا أعظم لأن هذه الأرض تتعلق بها حقوق الناس الذين يتعلقون ببيت مال المسلمين، فما كان من الأراضى يخص الدولة فنفعه عام للناس ولذا عقوبة الاعتداء عليه أعظم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى