مقال

الدكروري يكتب عن دعوة إلي التسامح ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن دعوة إلي التسامح ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثاني مع دعوة إلي التسامح، كما أكد الإسلام حرمة الدم البشري فحرم سفكه إلا بالحق، حيث قال تعالى ” ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق” وعظم من حرمة النفس البشرية ومن وزر الاعتداء عليها فعد النفوس كلها واحدة، فمن اعتدى على إحداها فكأنما اعتدى عليها جميعا، لأنه اعتداء على حق الحياة ومن قدم لإحداها خيرا فكأنما قدم الخير للإنسانية بأسرها، وإن السماحة والمساهلة والتيسير على خلق الله عز وجل سبب في عفو الله عن العبد وتجاوزه عنه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، لعل الله يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه” متفق عليه، وقيل حتى ولو لم يكن له من الخير قط إلا أنه كان يسهل على المعسر.

فإن ذلك حري وحده أن يجلب له صفح الله تعالي وعفوه عنه، وفى رواية أخرى يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن رجلا لم يعمل خيرا قط، وكان يداين الناس، فيقول لرسوله خذ ما تيسر، واترك ما عسر وتجاوز، لعل الله عز وجل أن يتجاوز عنا، فلما هلك قال الله عز وجل له “هل عملت خيرا قط؟ قال لا، إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس، فإذا بعثته ليتقاضى قلت له خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال الله عز وجل قد تجاوزت عنك” وإن دائرة التسامح في الإسلام لتتسع حتى تشمل غير المسلمين بل والأعداء المحاربين، فها هي السيده عائشة رضى الله عنها تحدث فتقول قلت يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال “لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة.

إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال فناداني ملك الجبال وسلم علي، ثم قال يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا “متفق عليه، وإن الإسلام رسالة خير وسلام ورحمة للبشرية كلها، فقد دعا إلى التراحم، وجعل الرحمة من دلائل كمال الإيمان.

فالمسلم يلقى الناس وفي قلبه عطف مدخور، وبرّ مكنون، يوسع لهم، ويخفف عنهم، ويواسيهم، فعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال ” لن تؤمنوا حتى تراحموا ” قالوا يا رسول الله، كلنا رحيم، قال ” إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة العامة ” رواه الطبراني، وليس المطلوب قصر الرحمة على من تعرف من قريب أو صديق، ولكنها رحمة عامة تسع العامة كلهم، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تبرز هذه العموم في إسداء الرحمة، والحث على إفشائها وانتشارها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” لا يرحم الله من لا يرحم الناس ” متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر “من لا يرحم لا يُرحم” ويقول ابن بطال رحمه الله” في هذا الحديث الحضّ على استعمال الرحمة للخلق.

فيدخل المؤمن والكافر، والبهائم المملوك فيها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام والمساعدة في الحمل وترك التعدي بالضر، وإن من صور خلق العفو عند الأنبياء، فهذا الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، أنه نبي الله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، حسده أخوته لمكانته من أبيه، فاجتمعوا على التخلص منه، فألقوه في البئر، فنجاه الله عز وجل من كيدهم، وتفضل عليه سبحانه بأن وهبه قوة وسلطانا، بعد ابتلاء وصبر، فلما وقع إخوته بين يديه لم ينتقم منهم، بل عفا عنهم وسامحهم على ما كان منهم تجاهه، فقال لهم بعد أن اعتذروا منه عما كان منهم، كما أخبرنا بذلك ربنا سبحانه وتعالي ” قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا خاطئين، قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين” فتعالوا بنا الى التسامح والتراحم فيما بيننا فهذه هى دعوه الى التسامح .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى