مقال

الدكروري يكتب عن الرحمة والرفق بالحيوان ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الرحمة والرفق بالحيوان ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثاني مع الرحمة والرفق بالحيوان، وقد شدد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم المؤاخذة على من تقسو قلوبهم على الحيوان ويستهينون بآلامه، وبين أن الإنسان على عظم قدره وتكريمه على كثير من الخلق، فإنه يدخل النار في إساءة يرتكبها مع الحيوان، فقد دخلت النار امرأة في هرّة، حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي أطلقتها وفي المقابل دخلت الجنة امرأة بغي في كلب سقته، فشكر الله تعالى لها فغفر لها، والهرة مثال على الحيوان الذي يدخل في حكم الإنسان، ولهذا فهذا الحكم ينسحب على ما كان في معناها من الدواب، ويزداد التشديد في حالة الحيوانات النافعة إذ هي مملوكة محبوسة مشغولة بمصالح المالك حتى مالك النحل يجب عليه أن يُبقي له شيئا من العسل في الكوارة أي خلية النحل بقدر حاجته إن لم يكفه غيره ولقد عني الإسلام بحق الحيوان في الطعام والشراب والراحة، وهي أمور أوجبها الإسلام على صاحب الحيوان.

وتوعد من لم يفعلها بالعذاب في الآخرة، وقال الله تعالى فى كتابه الكريم “ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين” وقال تعالى “والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون” وقال تعالى “أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون” فهذه الآيات دلت دلالة قاطعة على أن الله تعالى بحكمته البالغة وعلمه الذي وسع كل شيء قد خلق هذه الأنعام التي بين أيدينا وجعلها طعاما لنا وجعل منها مركبا، ومنها زينة يتخذها الناس ومنها ما يحرث الأرض ومنها ما يحمى الزرع ومناه ما يستخدم في الصيد وغير ذلك كثير، فمنافعها كثيرة جدا ومنها ما سخره الله تعالى لنا لنأكله ونتقرب بذبحه إليه سبحانه فالهدي والأضاحي والعقيقة.

والصدقة العامة كل تلك الأنعام تقع من الله بمكان قبل أن يقع دمها على الأرض، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان أهل البيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه، وأنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره وأن الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إنه كان لنا جمل نسني عليه، أي نستقي عليه وإنه استصعب علينا ومنعنا ظهره، وقد عطش الزرع والنخل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه ” قوموا فقاموا فدخل الحائط والجمل في ناحيته، فمشى النبي صلى الله عليه و سلم نحوه، فقالت الأنصار يا رسول الله إنه قد صار مثل الكلب وإنا نخاف عليك صولته، فقال ليس علي منه بأس فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بناصيته أذل ما كانت قط، حتى أدخله في العمل.

فقال له أصحابه هذه البهيمة لا تعقل تسجد لك، ونحن أحق أن نسجد لك، فقال لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، والذي نفس محمد بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتفجر بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه ” رواه أحمد، وعن عبد الله بن جعفر رضى الله عنهما قال أردفني رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم خلفه فأسر إلي حديثا لا أخبر به أحدا أبدا، وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل أي جماعة النخل فدخل يوما حائطا من حيطان الأنصار فإذا جمل قد أتاه فجرجر أي ردد صوته في حنجرته، وذرفت عيناه قال بهر وعفان فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم سراته.

أي الظهر وقيل السنام وذفراه وهو العظم الشاخص خلف الأذن سكن فقال من صاحب هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال هو لي يا رسول الله ، فقال أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله، إنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه ” رواه أبو داود وأحمد، ومع هذه الرحمة العظيمة التي كان يوليها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم للحيوان ومع ذلك العطف الكبير عليها فقد كان يذبح الهدي والأضحية ويأمر بذلك، وليس في ذلك أي تعد على الحيوان وليس في ذلك أي ضرر عليه ولا على نسله، فالبشرية منذ بدء الخليقة وهم يتغذون على الحيوان والنبات ومع ذلك فهي في تكاثر وتنام وتزايد، ما لم يكن القتل عشوائيا، بلا هوادة ولا رحمة ولا تؤدة بالحيوان فإن حصل ذلك فلا غرو أن تباد بعض السلالات، وتنقرض أخرى، وتتناقص ثالثة، لكن لما كان الأمر من الله جل وعلا، العالم بحقائق الأمور وخفايا الصدور واتباعا لسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى