مقال

الدكرورى يكتب عن ضياع الوقت أشد من الموت ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكرورى يكتب عن ضياع الوقت أشد من الموت ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع ضياع الوقت أشد من الموت، ودفع المسلمون ثمن الهزيمة باهظا من الأرواح والمعنويات التي فقدوها في تلك الغزوة، وأطلع النفاق رأسه، واشتد النفاق بعد معركة أحد بالذات ما لم يشتد قبل ذلك، ومن هم أولئك المسلمون؟ إنهم الصفوة المختارة التي قادها أعظم نبي ظهر في البشرية على الإطلاق، وهو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم والسبب طبعا كان هو كما قال الله عز وجل في سورة آل عمران ” حتي إذا فشلتم وتنازغتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة” فالفشل والتنازع، والمعصية وحب الدنيا، أربعة أسباب رئيسية ذكرتها الآية، أسباب لهزيمة المسلمين في معركة أحد، وقبل فترة كانوا منتصرين وبعد فترة أصبحوا منهزمين، وبعدها انتصروا في الأحزاب.

وبعدها جاءت حنين، فانهزموا في البداية، وانتصروا بعدها، ثم توالت انتصارات المسلمين تفتح بلاد العالم شرقا وغربا، ويقول تعالي “ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين” ويقول أحد الصالحين لبنيه يا بني إذا ذكر الصالحون نزلت الرحمة فقال يا أبي فكيف إذا ذكر الله قال يا بني إذا ذكر الله نزلت الطمأنينة ألم تسمع الى قوله تعالي “الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله إلا بذكر الله تطمئن القلوب” ولنعلم أن الإيمان بالله هو حياتنا وعزتنا وفخرنا وشرفنا وأعظم حضارة عرفها الناس هي حضارة الإيمان، فإن الإيمان هو الكلمة الطيبة وقد ضرب الله هذه الكلمة الطيبة وهي لا إله إلا الله فقال تعالي ” ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء” فإذا رسخت لا إله إلا الله في القلب آتت أكلها من الطاعات.

والعبادات والأخلاق والقيم وإذا تمكن الإيمان في أي مجتمع حوله إلى مجتمع مؤمن متراحم ولهذا أعلن النبي صلي الله عليه وسلم في العالمين لا إله إلا الله وقال “يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله” وثبت عليها صلي الله عليه وسلم وثبت عليها ودعا لها وناصر من أجلها وضحى، وهي الكلمة الفاصلة بين أولياء الله وأولياء الشيطان ومن أجلها مد الصراط وقام سوق الجنة وسوق النار ومن أجلها سلت السيوف في سبيل الله ومن أجلها قامت حياض المنايا وخطفت الأرواح وبان الحق من الباطل، وإن الأيام تدور سراعا والوقت يمضي بسرعة خيالية لا مثيل لها وكل ذلك إنما هو محسوب علينا ويمضي من أعمارنا وينقضي من آجالنا فماذا أعددنا للنهاية؟ وماذا عملنا ليوم القيامة وبأي عمل سيختم لنا به فتكون خاتمتنا حسنة أو سيئة؟

فلا بد لنا من الاتعاظ والاعتبار والتذكر والاستبصار لكي نستفيد من هذه الحوادث التي تحدث لنا في الليل والنهار، فاعتبروا يا أولي الأبصار واسلكوا طريق الأبرار ولا تغرنكم الدنيا بزخارفها وفتنها فإنها دار عناء وبلاء لا دار خلود وقرار، فقيل أنه قد دعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه سعيد بن عامر الجمحي إلى مساعدته في الحكم، فقال “يا سعيد إنا مولوك على أهل حمص، فقال سعيد يا عمر ناشدتك الله ألا توليني، فغضب عمر وقال ويحكم وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عني والله لا أدعك” ثم ولاه على حمص ثم مضى إلى حمص، وما هو إلا قليل الزمن حتى وفد على أمير المؤمنين بعض من يثق بهم من أهل حمص فقال لهم “اكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسد حاجتهم، فرفعوا كتابا فإذا فيه فلان وفلان وسعيد بن عامر.

فقال ومن سعيد بن عامر؟ فقالوا أميرنا قال أميركم فقير؟ قالوا نعم ووالله إنه ليمر عليه الأيام الطوال ولا يوقد في بيته نار، فبكى عمر حتى بللت دموعه لحيته” ولم يمض على ذلك طويل وقت حتى أتى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه الى ديار الشام يتفقد أحوالها، فلما نزل بحمص لقيه أهلها للسلام عليه، فقال “كيف وجدتم أميركم؟ قالوا نعم الأمير يا عمر، إلا أنهم شكوا إليه ثلاثا من أفعاله، كل واحد منها أعظم من الأخرى، قال عمر اللهم لا تخيب ظني فيه وجمعهم به، ثم قال ما تشكون من أميركم؟ قالوا لا يخرج إلينا حتى يذهب نصف النهار، فقال عمر وما تقول في ذلك يا سعيد؟ فسكت قليلا، ثم قال والله إني كنت أكره أن أقول ذلك، أما وإنه لا بد منه، فإنه ليس لأهلي خادم، فأقوم في كل صباح فأعجن لهم عجينهم، ثم أتريث قليلا حتى يختمر، ثم أخبزه لهم، ثم أتوضأ وأخرج للناس.

قال عمر وما تشكون منه أيضا؟ قالوا إنه لا يجيب أحدا بليل، قال عمر وما تقول في ذلك يا سعيد؟ قال إني والله كنت أكره أن أعلن هذا أيضا، فأني قد جعلت النهار لهم ولربي لله الليل، ثم قال عمر وما تشكون منه أيضا؟ قالوا تصيبه من حين إلى آخر غشية فيغيب عمن في مجلسه، قال عمر وما هذا يا سعيد؟ فقال شهدت مصرع خبيب بن عدي وأنا مشرك، ورأيت قريش تقطع جسده وهي تقول أتحب أن يكون محمد مكانك؟ فيقول والله ما أحب أن أكون آمنا في أهلي وولدي، وأن محمدا تشوكه شوكة، وإني والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف أني تركت نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لي، وأصابتني تلك الغشية عند ذلك قال عمر الحمد لله الذي لم يخيب ظني فيك” فهذا هو العمل وهكذا يكون تحمل المسئولية، وهكذا تؤدى الأمانات وهكذا تغتنم الأوقات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى