مقال

الدكرورى يكتب عن ضياع الوقت أشد من الموت ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكرورى يكتب عن ضياع الوقت أشد من الموت ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثاني مع ضياع الوقت أشد من الموت، وابن أم مكتوم، لما أوقفوه في مكان الراية حفر لقدميه وأدخلهم في التراب حتى لا يبعد عن هذا المكان، وقام قائما بالراية رضي الله تعالى عنه، لم يبحث عن حجة ويقول أنا أعمى ولا أستطيع أن أعمل، فلا حجة لفقير لا يخدم دينه ولا يطور نفسه، ولا حجة لمشغول، ولا حجة لمريض، سيسألك الله يوم القيامة عما عندك من قدرات، ولن يسألك عن غيرها، فينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل، وإن الوقت أغلى من المال لأن الإنسان حينما يحرق مبلغا كبيرا من المال يحكَم عليه بالسفه، ويُحجر على تصرفاته.

ولأنه مركب في أعماق الإنسان أن الوقت أثمن من المال، بدليل أنه يبيع بيته الذي يسكنه ولا يملك شيئا، سواه ليجري بثمنه عملية جراحية، متوهما أنها تزيد في حياته سنوات عدة، فالوقت عند كل إنسان أثمن من المال، وبناء على هذه المسلمة فإن الذي يُتلف وقته أشد سفها من الذي يُتلف ماله، وإن إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها، فهذه قيمة الوقت وأهميته فعلينا أن نستغل ألأوقات وأن نجعل حياتنا كلها لله، فلا نضيع من أوقاتنا ما نتحسر عليه يوم القيامة، فالوقت سريع الانقضاء فهو يمر مر السحاب، فهيا إلى اغتنام الأوقات والعودة إلى رب الأرض والسماوات، وإياكم والتسويف فإن التسويف آفة تدمر الوقت وتقتل العمر، فقال الحسن إياك والتسويف فإنك بيومك ولست بغدك.

فإن يكن غدا لك فكن في غد كما كنت في اليوم وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم، فإن فى مرور الأيام والليالي، وتعاقب الشهور والأعوام عبرة وعظة، عبرة في سرعة انقضاء الأعمار، وعظة في قرب حلول الآجال وأليست هذه الأيام والشهور مراحل نقطعها من أعمارنا ، فمع غروب شمس كل يوم وانتهاء كل شهر، وانصرام كل عام تنقص الآجال، ويقترب حلول الموعد المجهول؟ وألسنا في كل يوم نودع غال، ونشيع حبيبا، ونودع الثرى عزيزا، وفي ذلك إنذار لنا بأن المصير واحد، ولكل أجل كتاب؟ وإن الأعمار مضروبة والآجال مقسومة، وكل واحد منا قد قسم له نصيبه في هذه الحياة فهذا يعيش خمسين سنة، وذاك يعيش ستين سنة، وذاك يعيش عشرين سنة وأنت منذ أن خرجت إلى الدنيا، وأنت تهدم في عمرك وتنقص من أجلك.

وإن الإنسان في هذه الحياة الدنيا كمثل المسافر والناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حط رحالهم إلا في الجنة أو في النار والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقة وركوب الأخطار، ومن المحال عادة أن يطلب فيه نعيم ولذة وراحة، وإنما ذلك بعد انتهاء السفر، وإن في شروق شمس كل يوم، واستهلال كل عام منحة يسوقها الله عز وجل لمن شاء من خلقه، والناس ما بين مستثمر لها ومضيع، فمن الناس من أيقن بسرعة مرور الليالي والأيام وانقضاء الأعمار، فتراه في سباق مع الزمن، يستثمر كل مناسبة، ويبذل كل جهد في الطاعة، لا يحقر من المعروف شيئا، ولا يستهين من محقرات الذنوب ذنبا، همه في صباحه ومسائه، كسب مزيدا من الحسنات، والإكثار من القربات، غايته يسعى لنيل رضا مولاه، ويسعى للفوز بجنته وكرامته.

وهناك وقفة جميلة تفكرت فيها بين ولادة الإنسان ووفاته، فالمولود حين ولادته يؤذن في أذنه اليمنى وتقام الصلاة في اليسرى، ومعلوم أن كل أذان وإقامة يعقبهما صلاة، فأين الصلاة؟ وصلاة الجنازة ليس لها أذان ولا إقامة لأنه قد أذن وأقيم لها عند ولادتك والفترة التي بين الأذان والإقامة والصلاة كفترة عمرك في الدنيا ويجب أن نعلم أن انصرام اليوم يعني انصرام بعضك كما قال الحسن البصري “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك” وقيل أنه استعان رجل بثابت البناني رحمه الله على القاضي في حاجة، فجعل لا يمر بمسجد إلا نزل فصلى حتى انتهى إلى القاضي، فكلمه في حاجة الرجل فقضاها، فأقبل ثابت على الرجل، فقال “لعله شقّ عليك ما رأيت؟” قال نعم، قال “ما صليت صلاة إلا طلبت إلى الله تعالى في حاجتك”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى