مقال

الدكروري يكتب الإبتلاء بالشك والريبة ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب الإبتلاء بالشك والريبة ” جزء 2″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء الثاني مع الإبتلاء بالشك والريبة، فتحركت في قلب عائشة غيرتها، واضطرب في كوامنها ما تجده كل امرأة بفطرتها وغريزتها تجاه ضرّتها، فأخذت الصفحة من يد الخادم فضربتها بحجر فكسرتها نصفين، وتناثر الطعام يمينا وشمالا، فماذا صنع نبينا وقدوتنا صلى الله عله وسلم أمام هذا المنظر؟ هل شتمها ؟ هل ضربها ؟ هل عاقبها ووبخها ؟ هل طلقها ؟ لا لم يقل حينها شيئا من ذلك، إنما تعامل مع هذا الخطأ بالأسلوب الأمثل الذي ليس فوقه علاج، راعى في المرأة غيرتها، فجعل المصطفى صلى الله عليه وسلم يجمع بيده الكريمة الطعام من هنا وهنا، وهو يقول ” غارت أمكم، غارت أمكم” ثم وضع الطعام في صفحة السيدة عائشة السليمة، وأهداها للخادم، وأبقى الصفحة المكسورة عند عائشة وهكذا انتهت المشكلة وعُولج الخطأ بكل هدوء.

ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته ذات يوم، فيجد أم المؤمنين صفية بنت حُيي تبكي وتمسح الدموع من مآقيها سألها عن سبب بكائها فأخبرته أن حفصة بنت عمر جرحت مشاعرها، وقالت لها “أنت ابنة يهودي” فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم بضع كلمات ضمّدت جرحها وجبرت خاطرها قال ” قولي لها زوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى” والتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى حفصة وقال لها “اتقي الله يا حفصة” وهكذا عالج النبي صلى الله عليه وسلم الموقف بكلمات معدودات، رأب فيه الصدع، وهدأ النفس، وذكر المخطئ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يختلط بالناس كأنه احدهم ويجيب الدعوة ويقول لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو اهدي إلي ذراع لقبلت” وكان يحمل حاجة أهله ويخصف نعله ويرقع ثوبه ويكنس بيته ويحلب شاته.

ويقطع اللحم مع أهله ويقرب الطعام لضيفه ويباسط زواره ويسال عن أخبارهم ويتناوب ركوب الراحلة مع رفيقه ويلبس الصوف ويأكل الشعير وربما مشى حافيا وينام في المسجد ويركب الحمار ويردف على الدابة، وإن من الأسباب التى تؤدى الى الشك هى أن ينشأ المرء في بيئة معروفة بسوء الخلق، ومنه سوء الظن، سواء أكانت هذه البيئة قريبة ونعني بها البيت أو بعيدة ، ونعني بها الأصدقاء فيتأثر بها، ولا سيما إذا كانت في مرحلة الحضانة أو البناء والتكوين، ولما يصلب عوده ويحصّن بعد ضد هذه الأخلاقيات، وتلك السلوكيات، وحينئذ يصاب بسوء الظن، ولقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أثر البيئة على الإنسان عندما قال ” ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة، هل تحسون فيها من جدعاء؟

أو كأن ينشأ تنشئة غير صالحة، فيقع كثيرا في المعاصي والسيئات حتى تورثه تلك المعاصي وهذه السيئات سوء الظن بمن ليس أهلا لها، ويصبح ذلك مظهرا من مظاهر سوء النية، وخبث الطوية، ولكن يجب علينا بناء العقيدة السليمة القائمة على إحسان الظن بالله وبرسوله، والمؤمنين الصالحين؛ فإن هذه العقيدة تحرسنا من أن نظن السوء بالآخرين من غير مبرر ولا مقتضى، ولو وقع منا فإننا نبادر بالتوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى وكذلك التربية على تغذية هذه العقيدة بما يثبتها في النفس وينميها وذلك بترك المعاصي والسيئات، والمواظبة على فعل الطاعات وأعمال البر فإن التربية بهذه الصورة تجعلنا نتورع أن نقع في سوء الظن بمن ليس له أهلا، وإن وقعنا فالتوبة والندم، وكذلك التنشئة على الالتزام بآداب الإسلام في الحكم على الأشياء.

والأشخاص من الاعتماد على الظاهر، وترك السرائر إلى الله وحده الذي يعلم السر وأخفى ومجاهدة النفس وقمع الهوى والشهوات، حتى تعرف النفس أنه ليس من السهل توجيه تهمة لأحد من الناس، لمجرد ظن أو تخمين لا دليل عليه ولا برهان، وما في الدنيا شيء أعظم من أن يكون هوانا تبعا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك تجنب الوقوع في الشبهات، ثم الحرص على دفع هذه الشبهات إن وقعت خطأ، أو عن غير قصد ويجب علينا دوام النظر في كتب السيرة والتاريخ، ولا سيما تاريخ المسلمين فإنها مليئة بصور حية عن الظن السيئ وآثاره، وطريق الخلاص منه، بحيث يسهل على النفس التخلص من هذا الداء، والتذكير الدائم بعواقب سوء الظن في الدنيا والآخرة، وعلى الفرد والجماعه، فإن الإنسان كثيرا ما ينسى، وعلاج هذا النسيان يكون بالتذكير، كما قال الله سبحانه وتعالي ” وذكر فإن الذكري تنفع المؤمنين”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى