دين ودنيا

الدكروري يكتب عن الحقوق يوم القيامة ” جزء 1″

جريدة الاضواء

بقلم / محمـــد الدكــرورى

 

إن الله عز وجل أمرنا بالآداب في التعامل، وجعل عليها ثوابا عظيما، فإنها إن كانت تربط بين الناس وتجعل علاقاتهم حسنى، فهي في الآخرة أعظم وأجزل ثوابا، وهي سبب في دخول الجنة، فيقول تعالي ” فإن الله لا يضيع أجر المحسنين” والأدب عباد الله ثلاثة أنواع، أدب مع الله سبحانه، وأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعه، وأدب مع الخلق، أما الأدب مع الله عز وجل، فيكون بالحياء منه سبحانه، وتعظيم أمره ونهيه، والوقوف عند حدوده والإقبال عليه وحده رغبا ورهبا وخوفا وطمعا، وإن الأدب مع الله هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهرا وباطنا، ولا يستقيم لأحد قط الأدب مع الله، إلا بثلاثة أشياء، معرفته سبحانه بأسمائه وصفاته، ومعرفة بدينه وشرعه وما يحب ويكره، وثالث ذلك نفس مستعدة قابلة لينة، متهيئة لقبول الحق علما وعملا.

 

وأما الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فالقرآن مملوء به، ورأس ذلك عباد الله التسليم له والانقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق، وأن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي، ولا إذنٍ ولا تصرف حتى يأمر هو وينهي ويأذن، كما قال الله تعالى في سورة الحجرات ” يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله” أي لا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر، وهذا باقي إلى يوم القيامة، فالتقدم بين يدي سنته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، كالتقدم بين يديه هو صلى الله عليه وسلم في حياته، وأما الأدب مع الخلق، فهو معاملتهم على اختلاف مراتبهم بما يليق بهم، فلكل مرتبته من الأدب، فمع الوالدين أدب خاص، ومع العالم أدب خاص، ومع الأقران أدب وهكذا، ولكل حال من الأحوال أدب، فللطعام آدابه وللشراب آدابه، وللركوب والدخول والخروج والسفر.

 

والإقامة والنوم آدابها، ولقضاء الحاجة آدابه، وللكلام آدابه وللسكوت والاستماع آدابه، والأدب هو الدين كله، إذ الدين عباد الله، إذ الدين هو دين الأدب الرفيع في أوامره الحكيمة وإرشاداته القويمة وتوجيهاته العظيمة، رزقنا الله وإياكم التأدب بآداب الإسلام والتمسك بآداب الشريعة، ونسأله جلت قدرته أن يرزقنا وإياكم أحسن الأخلاق والآداب لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا هو، وأن يغفر لنا ولكم ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنه هو الغفور الرحيم، ولكننا نرى فى هذه الأيام الظلم بأعيننا ليلا ونهارا، وهو خلق ذميم ووصف قبيح، نهى عنه رب العالمين وحذر منه سيد المرسلين لما فيه من عدوان على الدين واعتداء على أموال الناس ودمائهم وأعراضهم وحقوقهم، فإنه الظلم وما أدراك ما الظلم، خلق كثير الضرر، قبيح الأثر، وخيم العواقب، وسيئ النتائج.

 

فما أحوجنا إلى أن نتعرف على مخاطر هذا الخلق الذميم، في زمن فشا فيه الظلم والبغي والعدوان، فلم تسلم فيه من الظلم أعراض ولا أموال ولا أنفس ولا دين، ومفهوم الظلم هو بغي وعدوان، وانحراف عن العدل، ومجاوزة للحق، وتعد على الخلق والأصل في الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة وإما بعدول عن وقته أو مكانه، وإن الظلم كبيرة من الكبائر والظلم من الذنوب العظام، والكبائر الجسام، يحيط بصاحبه فيدمره، ويفسد عليه أمره، ويغيّر عليه أحواله، تزول به النعم، وتنزل به النقم، عواقبه وخيمة، ونتائجه قبيحة في الدنيا وفي الآخرة، ولأجل كثرة مضار الظلم وعظيم خطره وتنوع مفاسده وكثير شره حرمه الله بين عباده، وتوعد صاحبه بالهلاك والعذاب في الدنيا والآخرة، وعن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى أنه قال “يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّما، فلا تظالموا ” رواه مسلم.

 

فالله تبارك وتعالى الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولن يكون ظالما ولو فعل بخلقه ما فعل إذ هو الخالق الرازق المنعم المالك لكل شيء، المدبّر المتصرف في ملكه كيف يشاء، ومع ذلك يخبر تبارك وتعالى أنه حرم الظلم على نفسه ليطمئن عباده، وكتب على نفسه الرحمة، فضلا منه وتكرما ورحمة، والله عز وجل برحمته وحكمته سبحانه حرم الظلم على عباده، لما فيه من ضرر كبير عليهم في دنياهم وفي أخراهم ونبينا صلى الله عليه وسلم يحذرنا من الظلم وعواقبه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم “اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ” فالظلم ذنب عظيم وجُرم كبير، يخرّب البيوت، ويبيد الأمم، ويهلك الحرث والنسل، ويضر الفرد والمجتمع في دينه ومعاشه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى