مقال

الدكروري يكتب عن خلق الإنسان ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن خلق الإنسان ” جزء 2″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الثاني مع خلق الإنسان، فيقول تعالي ” ألا بذكر الله تطمئن القلوب” وتطمئن القلوب فلا تشعر بغم ولا تحس بهم وتشعر أن مصائب الدنيا مهما بلغت عظمتها فإنها هينة أمام ذكر الله وسهلة تحت قدرة الله ما دمت مع الله تعبده وترضى بقضائه وقدره وتعلم أنه سبحانه لن يضيع صبرك ولن ينسى إيمانك، ولقد نسينا الهدف من خلقنا وغفلنا إلا من رحم الله عن الغاية التي خلقنا الله لها ألا وهي عبادة الله سبحانه وتعالى وإعمار هذا الكون بالعبودية له وتنفيذ أوامره وتطبيق أحكامه وإقامة دينه الذي أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم ونحن اليوم إلا القليل منا نسينا هدفنا في هذه الحياة وظننا أننا خلقنا من أجل عمارة الدنيا والاهتمام بها وركزنا جل اهتمامنا عليها وجعلناها هدفنا الأول ولم نعلم حق العلم أننا خلقنا فيها من أجل عمارة الآخرة والتزود بالطاعات والتسابق في الخيرات حتى نخرج من هذه الدنيا فنلقى الله وهو راض عنا.

فأين الذين يستلذون بعبادة الله؟ كما يستلذ غيرهم بالطعام والشراب، أين من يستلذ بمناجاة ربه وبالصدقة في وجوه الخير وبالإحسان إلى الناس والتخلق بأحسن الأخلاق وبكل أنواع العبادة وأشكالها المشروعة، يستلذ ويحس بطعم الحلاوة الإيمانية يسري في جوانحه ولو أجهد بدنه وترك الدنيا من خلفه وزهد في مناصبها ومتعها في سبيل أن يتذوق طعم العبادة لربه، ولا بد لنا من الرجوع إلى ربنا ومراجعة حساباتنا وتذكر الهدف من خلقنا والاهتمام بأمر العبادة الكاملة لله وحده وعمارة الأرض بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه وإقامة دينه لأننا ما خلقنا إلا من أجل ذلك وقد جعلنا الله خلفاء له في الأرض لأجل هذه الغاية العظيمة وهذا الهدف النبيل لندرك تمام الإدراك أن الله جل جلاله وعز شأنه يريد منا أن نعبده بكل أنواع العبادة ونقيم الدين كله لله ونحن في هذه الحياة نعيش في ابتلاء شديد واختبار صعب فمن قام بتحقيق هذا الهدف وعبد الله على بصيرة.

وسعى لإقامة أمر الله وشرعه فقد فاز في الامتحان وحاز على الرضوان ومن غفل عن هدفه وضيّع الغاية من خلقه فقد خسر خسرانا مبينا وضل ضلالا بعيدا، ولنحرص على التوسط في العبادة، دون إفراط ولا تفريط كما هي سنته صلى الله عليه وسلم، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأه قال من هذه؟ قالت فلانة تذكر من صلاتها” أي من كثرة صلاتها ” قال ” مه عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتي تملوا وكان أحب الدين إليه مادام عليه صاحبه” رواه البخاري، ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” وفي بعض أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا” رواه مسلم، وقيل للحسن البصري ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوها ؟

قال لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره وقال سفيان ترى صاحب قيام الليل منكسر الطرف فرح القلب وكان الحسن بن صالح يقوم الليل هو وجاريته فباعها لقوم فلما صلت العشاء افتتحت الصلاة فما زالت تصلي إلى الفجر وكانت تقول لأهل الدار كل ساعة تمضي من الليل يا أهل الدار قوموا، يا أهل الدار قوموا، يا أهل الدار صلوا، فقالوا لها نحن لا نقوم إلى الفجر، فجاءت إلى الحسن بن صالح الذي باعها وقالت له بعتني لقوم ينامون الليل كله، وأخاف أن أكسل من شهود نومهم ، فردّها الحسن رحمة بها، ووفاء بحقها، وكان لبعض السلف عشرة مع العبادة، حتى إنه ليذرف الدموعَ على فراقها إذا نزل به الموت، ولما نزل الموت بالعابدة أم الصهباء بكت فقيل لها مم تبكين؟ فقالت بكيت حينما تذكرت مفارقة الصيام والصلاة والذكر، بل كانوا يتهمون أنفسهم بالذنوب إذا ما أصابهم الكسل عن العبادة،

فقال الثوري حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته، وجاء رجل للحسن البصري قال يا أبا سعيد، إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم ؟ فقال ذنوبك قيدتك، فمتى نشعر بالسعادة حينما نلقي بجباهنا على الأرض لله تعالى متى نعوّد أنفسنا أن نشتاق للقاء ربنا في صلاتنا وذكرنا؟ ومتى تحلق قلوبنا في السماء طربا وفرحا؟ كل ذلك حينما نبذل الصدقة السخية لا نبالي الفقر أو المسكنة، ومتى نعود على صدورنا بالراحة حينما نخفض جناح الذل لوالدينا وأهلينا ؟ نعم إنها العبادة عبادة الله، هي طريقنا إلى الفلاح والنصر والشفاء، فهنيئا لنا سلوكها وتوخي طريقِها لأنفسنا وأزواجنا وأولادنا، وإذا كان الانسان ضعيفا فإن مصدر قوته في سبيل واحد فريد وهو مصدر كل قوة حقيقية وهو مبعث كل طمأنينة، وهو المصدر المنيع الذي يدافع عن النفس ويحميها من كل خطب وضلال وهوان إنه الإيمان بالله، فهو القوة الحقيقة في النفس البشرية، وما دون ذلك فهو ضعف وهوان وإن كان ظاهره القوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى