مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن الأثير” جزء2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن الأثير” جزء2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام إبن الأثير، كما تضمن أخبار الزحف التتري على المشرق الإسلامي منذ بدايته في سنة ستمائة وستة عشر للهجرة، وقد كتب ابن الأثير تاريخه بأسلوب نثري مرسل لا تكلف فيه، مبتعدا عن الزخارف اللفظية والألفاظ الغريبة، معتنيا بإيراد المادة الخبرية بعبارات موجزة واضحة، وهو كتاب جمع فيه الذهبي كل الحوادث التي حصلت في تلك الفترة، وأما عن كنابه أسد الغابة في معرفة الصحابة، فإن موضوع هذا الكتاب هو الترجمة لصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم الذين حملوا مشعل الدعوة، وساحوا في البلاد، وفتحوا بسلوكهم الدول والممالك قبل أن يفتحوها بالطعن والضرب، وقد رجع ابن الأثير في هذا الكتاب إلى مؤلفات كثيرة، اعتمد منها أربعة كانت عُمدا بالنسبة له، هي معرفة الصحابة لأبي نعيم، والاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر، ومعرفة الأصحاب لابن منده.

 

والذيل على معرفة الأصحاب لابن منده، وقد اشتمل الكتاب على ترجمة لعدد سبعة ألاف وخمسمائة وأربعة وخمسين صحابيا وصحابية تقريبا، يتصدره توطئه لتحديد مفهوم الصحابي، حتى يكون القارئ على بينه من أمره، والتزم في إيراد أصحابه الترتيب الأبجدي، ويبتدئ ترجمته للصحابي بذكر المصادر التي اعتمد عليها، ثم يشرع في ذكر اسمه ونسبه وهجرته إن كان من المهاجرين، والمشاهد التي شهدها مع الرسول صلى الله عليه وسلم إن وجدت، ويذكر تاريخ وفاته وموضعها إن كان ذلك معلوما، وقد طبع الكتاب أكثر من مرة، وكان لإبن الأثير أخوة حيث أنهم كانوا ثلاثة إخوة، برزوا في علوم اللغة والأدب والتاريخ والحديث والفقه، واشتهر كل واحد منهم بابن الأثير، وهم جميعا من أبناء بلدة جزيرة ابن عمر التابعة للموصل، وكان أبوهم من أعيان هذه البلدة وأثريائها.

 

أما أكبرهم فهو مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد، فقيه محدث، اشتغل بدراسة القرآن والحديث والنحو حتى صار علما بارزا، وترك مؤلفات عظيمة أشهرها جامع الأصول في أحاديث الرسول، وجمع فيه الكتب الصّحاح الستة، وتوفي سنة ستمائة وست من الهجرة، وأما أصغرهم فهو ضياء الدين أبو الفتح نصر الله، المعروف بضياء الدين بن الأثير، الكاتب الأديب، أتقن صنعة الكتابة، واشتهر بها بجودة أسلوبه وجمال بيانه، التحق بخدمة صلاح الدين وأبنائه في حلب ودمشق، وترك مصنفات أدبية قيّمة، أشهرها هو المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، وهو من أهم الكتب التي تعالج فن الكتابة وطرق التعبير، وتوفي سنة ستمائة وسبعة وثلاثون من الهجرة، أما أوسطهم فهو عز الدين بن الأثير المؤرخ الكبير، وعني أبوه بتعليمه، فحفظ القرآن الكريم.

 

وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم استكمل دراسته بالموصل بعد أن انتقلت إليها أسرته، وأقامت بها إقامة دائمة، فسمع الحديث من أبي الفضل عبد الله بن أحمد، وأبي الفرج يحيى الثقفي، وتردد على حلقات العلم التي كانت تعقد في مساجد الموصل ومدارسها، وكان ينتهز فرصة خروجه إلى الحج، فيعرج على بغداد ليسمع من شيوخها الكبار، من أمثال أبي القاسم يعيش بن صدقة الفقيه الشافعي، وأبي أحمد عبد الوهاب بن علي الصدمي، ورحل إلى الشام وسمع من شيوخها، ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعا للتأليف والتصنيف، وقد التزم في كتابه بالمنهج الحولي في تسجيل الأحداث، فهو يسجل أحداث كل سنة على حدة، وأقام توازنا بين أخبار المشرق والمغرب وما بينهما على مدى سبعة قرون وربع قرن، وهو ما أعطى كتابه طابع التاريخ العام أكثر أي تاريخ عام لغيره.

 

وفي الوقت نفسه لم يهمل الحوادث المحلية في كل إقليم، وأخبار الظواهر الجوية والأرضية من غلاء ورخص، وقحط وأوبئة وزلازل، ولم يكن ابن الأثير في كتابه ناقل أخبار أو مسجل أحداث فحسب، وإنما كان محللا ممتازا وناقدا بصيرا حيث حرص على تعليل بعض الظواهر التاريخية ونقد أصحاب مصادره، وناقش كثيرا من أخبارهم، وتجد لديه النقد السياسي والحربي والأخلاقي والعملي يأتي عفوا بين ثنايا الكتاب، وهو ما جعل شخصيته التاريخية واضحة تماما في كتابة على الدوام، وتعود أهمية الكتاب إلى أنه استكمل ما توقف عنده تاريخ الطبري في سنة ثلاثة مائة واثنين للهجرة، وهي السنة التي انتهى بها كتابه، فبعد الطبري لم يظهر كتاب يغطي أخبار حقبة تمتد لأكثر من ثلاثة قرون، كما أن الكتاب تضمن أخبار الحروب الصليبية مجموعة متصلة منذ دخولهم.

 

في سنة ربعمائة وإحدي وتسعون من الهجرة، حتى سنة ستمائة وثماني وعشرون من الهجرة، كما تضمن أخبار الزحف التتري على المشرق الإسلامي منذ بدايته في سنة ستمائة وستة عشر للهجرة، وقد كتب ابن الأثير تاريخه بأسلوب نثري مرسل لا تكلف فيه، مبتعدا عن الزخارف اللفظية والألفاظ الغريبة، معتنيا بإيراد المادة الخبرية بعبارات موجزة واضحة، وظل ابن الأثير بعد رحلاته مقيما بالموصل، منصرفا إلى التأليف، عازفا عن المناصب الحكومية، متمتعا بثروته التي جعلته يحيا حياة كريمة، جاعلا من داره ملتقى للطلاب والزائرين حتى توفي في شهر شعبان لعام ستمائة وثلاثون للهجرة، ويوجد قبره في الموصل منفرد وقد ازيلت المقبرة وبقي قبره وسط الشارع في باب سنجار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى