مقال

قراءة في كتاب “في الشعر الجاهلي” لطه حسين

جريدة الاضواء

قراءة في كتاب “في الشعر الجاهلي” لطه حسين

 

كتبت: عزة أحمد حسني

 

يقول عميد الأدب العربي “طه حسين” في كتابه “في الشعر الجاهلي”: “وأوّل شيء أفجؤك به هو أني شككت في قيمة الشعر الجاهلي وألححت في الشك، أو قل ألحّ عليّ الشك، فأخذت أبحث وأفكر وأقرأ وأتدبّر، حتى انتهى بي هذا كله إلى شيء إلا يكن يقينا فهو قريب من اليقين.

ذلك أن الكثرة المطلقة مما نسمّيه شعرا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منتحلة مختلقة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهوائهم أكثر مما تمثّل حياة الجاهلين.

 

وأكاد لا أشك في أنّ ما بقى من الشعر الجاهلي الصحيح قليل جدا لا يمثّل ولا يدلّ على شيء، ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي”.

 

عند الوقوف على عنوان الكتاب، ننظر إلى مضمون ما بداخله، وقد تحدث الكاتب عن قضية الانتحال؛ وهي قضية قديمة تحدث عنها كثير من علماء الأدب والشريعة، ومن المؤكد أن القضية لم تكن أدبية فحسب؛ ولكنها تطعن في القرآن وهو أقدس مقدسات المسلمين، فلم يكن من الجيد أن يضعه العميد “طه حسين” تحت مسمى أدبي فقط وهو “في الشعر الجاهلي”.

 

ومن وصف طه حسين لما جاء في كتابه من خلال هذه الكلمات، ومحاولته في صفحات الكتاب إثبات أن الشعر الجاهلي منتحل بعد ظهور الإسلام من خلال: الدين والرواة والشعوبية والبيئة والسياسة، كما أنه حاول أن يشكك في عدم وجود الشعراء الجاهلين من الأساس من خلال التشكيك في أنسابهم وكنيتهم.

 

ومن هنا تأتي الإشكالية في سؤال مفاده: إذا كان الشعر الجاهلي مختلق بعد ظهور الإسلام فلماذا جاء القرآن وما الذي جاء ليتحداه؟

 

فعدم وجود شيء يتحداه القرآن أبطل اعجازه، وعدم وجود نص جاهلي ليثبت أن القرآن يتحدى ويفُوق هذا النص؛ فبعد سنوات نستطيع أن نزيل القرآن ما دمت أنك قولت أنه لا يوجد شعر، فالقرآن نزل ليتحدى العرب في فصاحتهم وبلاغتهم وهذا ما عليه علماء الشريعة والأدب.

 

وكان لابد لنا من التعامل بموضوعية في هذا الأمر؛ فالشعر الجاهلي كثير منه سقط وبعضه انتحل، فإن كان هناك بعض اللصوص فلا نحكم على الجميع بأنهم لصوص؛ ولذلك لا نحكم على الشعر الجاهلي بأن جميعه منتحل، وبدأ الأمر عند المستشرقين الذين قالوا: أنه لا وجود للشعر الجاهلي ومن ثم بطل الاعجاز الديني، وقد صار على نهجهم “طه حسين” مستندا إلى عدة أمور يستطيع العقل البشري أن ينكرها بكل سهولة.

 

– إذا قلنا مثلا: بأنه ليس هناك ما يسمى بالشعر الجاهلي وأنه منتحل في عصور ما بعد الإسلام، فشعراء الإسلام حاكوا وقلدوا من في الأوزان والقوافي! هل نزل عليهم نموذج من السماء ليقلدوه! أم كان هناك نماذج موجودة بالفعل نول القرآن ليتحداها.

 

– وأما عن قوله: أن كل الشعراء قالوا الشعر بلهجة واحدة وهي لهجة القرآن مع اختلاف لهجاتهم، فكيف لهم أن يجتمعوا على لهجة واحدة، فنقول: أن اللهجة لهجة قريش الذي نزل بها القرآن ليتحداها وهي اللهجة الفصحى السائدة؛ فكل قبيلة تتحدث بلهجتها، ولكن عند كتابة الشعر لابد من التحدث بالفصحى كلغة قومية، وتستطيع إثبات ذلك إذا تمت التفرقة بين معنى اللغة ومعنى اللهجة في الأدب العربي.

– واتهامه بكذب الرواة؛ فكما يوجد “حماد الراوية” و “خلف الأحمر” وغيرهما من الرواة الكذابين، يوجد أيضا رواة ثقة أمثال “المفضل الضبي” و “الأصمعي” الذين نقلوا لنا الشعر الجاهلي وأثبتوا وجوده، فلو أخذنا المفضليات والأصمعيات فقط واكتفينا بهم من العصر الجاهلي أغنونا عن الشعر الجاهلي كله، فما بالك بالبقية من الرواة الثقة الذين يحملون لنا الكثير من الشعر الجاهلي.

 

– وقد جاء هذا الشعر مخالفا لبعض القواعد، فلو قلنا أنه منتحل فكان لابد أن يأتي متوافقا مع قواعد الزمن الذي وضع فيه، كما أن فيه صور من التهتك الخُلقي، وكل شيء مباح فيه، وهذا ليس من القيم الإسلامية في شيء، وذلك ما يثبت عدم وضع هذا الشعر في عصور ما بعد الإسلام.

وأخيرا فإن الأدب في كل عصر من العصور له بصمته الخاصة؛ فالصورة الأدبية في الجاهلية تختلف عن الصورة الأدبية في عصور ما بعد الإسلام، وتختلف عن الصورة الأدبية في العصر الحديث، فكل شعر له سمات وصفات شخصية يتميز بها عن غيره، وقد تكون بعض استدلالات طه حسين تخاطب العقل، ولكن بعضها أيضا حذف منه مالا يخدم فكرته مثل حذفه لكلمة “أقاصي” في قول أبي علاء المعري: ” ما لسان حمير وأقاص اليمن” فكلمة واحدة غيرت معنى مقولة كاملة، وهذا أيضا يعد خيانة علمية.

 

وفي الختام؛ لا يمكن انكار وجود الانتحال في الشعر، ولكن لا يمكننا أيضا انكار وجود الشعر الجاهلي؛ فالمنتحل فيه قليل والكثير منه صحيح، وكل هذا يثبت أن الشعر الجاهلي موجود، وأنه يمثل حياة الجاهلين وتقاليدهم، ويصور لنا البيئة الجاهلية، وبلاغتهم وفصاحتهم التي جاءت معجزة الرسول –صل الله عليه وسلم- لتتحداهم فيها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى