مقال

الدكروري يكتب عن الإمام محمد عبده ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام محمد عبده ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام محمد عبده، وكنت أعود للقاهرة التمس هذه العلوم في أي مكان، حتي جاء المرحوم جمال الدين الأفغاتي إلي مصر عام ألف وثماني مائة وواحد وسبعين ميلادي، فأخذت أتلقي عنده العلوم الرياضية والفلسفية والكلامية وأدعو الناس إليه، وأخذ مشايخ الأزهر وطلبته يتقولون علينا الأقاويل، ويزعمون أن تلقي تلك العلوم يفضي إلي زعزعة العقائد الصحيحة، ولم يهتم الامام محمد عبده بتلك الأقاويل كما يذكر في كتابه عن الأفغاني وكنت ألازم السيد ملازمة ظله، وأحضر دروسه ونادية وسامره، وكانت كلها مجالس علم وحكمة وأدب ودين وسياسة، وظل الوضع كذلك حتي قام الخديوي توفيق بنفي الأفغاني من مصر عام ألف وثماني مائة وتسع وسبعين ميلادي، بعد أن كان يحضر دروسه، بل قال له أنت أملي في مصر أيها السيد، وبعدها تم عزل الإمام من مناصب التدريس.

وحددت إقامته بقرية محلة مصر التي ولد فيها، وكان محمد عبده تقدم لامتحان العالمية بالأزهر وظفر بالشهادة عام ألف وثماني مائة وسبع وسبعين ميلادي، رغم دعوته للتجديد وترك التقليد، وبعدها أصبح استاذا للتاريخ في مدرسة دار العلوم واستاذا للآدب في مدرسة الألسن إلي جانب دروسه في الأزهر، وعندما تولي رياض باشا رئاسة الوزراء إستصدر عفوا من الخديوي واستدعاءه من قريته عام ألف وثماني مائة وثمانين ميلادي، وعهد إليه برئاسة تحرير جريدة الوقائع، وقد كان إعجابه برياض باشا والاصلاحات التي قام بها وراء موقفه المعارض للثورة العرابية في البداية، ولكن تلاحق الأحداث لم يترك له فرصة طويلة للعمل بالصحافة والسياسة،لانه سريعا ما سجن ونفي إلي بيروت بعد تأييده للثورة، ثم تدخلت الأميرة نازلي فاضل لدي اللورد كرومر للعفو عن الإمام محمد عبده.

وذلك بعد إلحاح من سعد زغلول تلميذ محمد عبده ووافق كرومر بشرط ألا يعمل بالسياسة، وبالفعل عاد محمد عبده إلي مصر عام ألف وثماني مائة وثماني وثمانين ميلادي، وسكن في شارع الشيخ ريحان بالقرب من قصر عابدين حتي يناطح عابدين مناطحة، علي حد قوله، ورفض الخديوي توفيق أن يعيده للتدريس فيكون له تلاميذ مرة أخري وعينه قاضيا بمحكمة بنها حتي يبعده عن القاهرة وفي هذه الفترة حدثت جفوة بينه وبين أستاذه الأفغاني بعد مراسلات بينهما ويذكر الدكتور محمد عمارة في كتابه تجديد الفكر الاسلامي أن الأفغاني اتهمه بالجبن وكتب إليه مرة يقول تكتب إلي ولا تمضي وتعقد الألغاز؟ كن فيلسوفا يري العالم ألعوبة ولا تكن حبيبا هلوعا؟ وكان الخلاف بين الأفغاني الثوري ومحمد عبده المصلح هو خلاف في طريق الاصلاح والنهوض بالوطن.

فالأفغاني من أنصار الثورة ضد الاستبداد والقهر مثل عرابي، بينما الامام رجل إصلاح وتفكير يريد تغيير المجتمع واصلاحه بالتدريج عن طريق التعليم ومواجهة الجمود والتخلف، وكان يقول عن نفسه خلقت لأكون معلما، وبعد تولي الخديوي عباس حلمي السلطة عقب وفاة الخديوي توفيق حدثت فترة من الوفاق وأقنع الخديوي الجديد باصلاح الأزهر، وتشكل مجلس إدارة للأزهر وأصبح الامام عضوا فيه، فوضع مشروعا للاصلاح وهاجم الخضوع الأعمي للسلطة ودعا إلي التفكير الناقد وإلي استخدام العقل والاجتهاد، وعمل بكل جهده لتطوير التعليم بالأزهر، وواجه مشايخ كانوا يعتبرون دراسة الجغرافيا وأمثالها بدعا تدخل في باب الضلالات التي تؤدي إلي النار، ودار بينه وبين الشيخ محمد البحيري في أحد اجتماعات مجلس ادارة الأزهر حوار حول اصلاح التعليم بالأزهر.

فقال الشيخ البحيري إننا نعلمهم كما تعلمنا، فأجابه الامام محمد عبده وهذا هو الذي أخاف منه، فرد البحيري عليه ألم تتعلم أنت في الأزهر؟ وقد بلغت ما بلغت من مراقي العلم، وصرت فيه العلم الفرد؟ فأجابه الامام إن كان لي من العلم الصحيح الذي تذكر فإنني لم أحصله إلا بعد أن مكثت عشر سنين، وهو إلي الآن لم يبلغ ما أريده، وإستطاع الامام أن يحقق بعض النجاح في خطته وأن يقوم ببعض الاصلاحات وأن يجعل الحساب والجبر ضمن مناهج التعليم بالأزهر، كما طالب بدراسة الفلسفة وقال إن في مصر قضاة ومحامين وأطباء محترفين، لكنك لاتري في الطبقة المتعلمة الرجل الباحث ولا المفكر ولا الفيلسوف ولا العالم لاتري الرجل ذا العقل الواسع والنفس العالية والشعور الكريم، ذلك الذي يري حياته كلها في مثل أعلي يطمح فيه ويسمو إليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى