مقال

الدكروري يكتب عن الإمام محمد عبده ” جزء 5″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام محمد عبده ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الخامس مع الإمام محمد عبده، لكن هؤلاء الحكام علي حد قوله لم يفهموا من معني الحكم إلا تسخير الأبدان لأهوائهم، وإذلال النفوس لخشونة سلطانهم، وابتزاز الأموال لانفاقها في إرضاء شهواتهم، لا يرعون في ذلك عدلا ولا يستشيرون كتابا ولا يتبعون سنة، حتي أفسدوا أخلاق الكافة بما حملوها علي النفاق والكذب، والاقتداء بهم في الظلم، وما يتبع ذلك من الخصال التي ما فشت في أمة إلا حل بها العذاب، وتلك علة من أشد العلل فتكا بالأرواح والعقول، وهولم ينخدع بحكم الخلفاء الأمويين والعباسيين الذي قام علي الاستبداد والقهر مع خداع العامة والبسطاء بأنه حكم ديني، وأكثر من ذلك فقد وصف الامام محمد عبده الفتوحات الإسلامية بأنها أعمال سياسية حربية تتعلق بضرورات الملك ومقتضيات السياسة ومن ثم فهي ليست بالحروب الدينية.

كما أن الحرب بين الأمويين والهاشميين هي حرب علي الخلافة وهي بالسياسة أشبه بل هي أصل السياسة، وهاجم هؤلاء الخلفاء المستبدين قائلا استبد هؤلاء وأمثالهم بالمسلمين وقادوهم إلي الحروب والهلاك في سبيل بناء امبراطورياتهم المزعومة، وقد كانوا مع رعاياهم يضلونهم ويحجبون عنهم مسالك النور باسم الدين ويذلونهم ويضيقون علي عقولهم ويحرمون عليهم النظر في السياسة فصاروا لا يرون من وراء ذلك مرجعا وخاصة في المسائل السياسية الخاصة، وبذلك قضوا علي قوي البحث والفكر مما أصاب المسلمين بالشلل في التفكير السياسي والنظر في كل مايتصل بشأن الحكم، وكشف خطة هؤلاء المستبدين في خداع العامة والبسطاء باسم الدين قائلا أدخلوا علي الدين ما ليس فيه ونجحوا في إقناع العامة وهم عون الغاشم بتعظيم الاحتفالات وأعياد الأولياء.

حتي يقف الفكر وتجمد العقول، ثم بثوا أعوانهم في الممالك الإسلامية ينشرون من القصص والأخبار ما يقنع الناس بأنه لا نظر لهم في الأمور العامة وأن أمور الدولة تخص الحكام وحدهم وأن ما يظهر من فساد ليس من صنع الحكام وإنما تحقيق لما ورد في الأخبار من أحوال آخر الزمان وإنه لا حيلة في الإصلاح، والأسلم تفويض ذلك إلي الله، ويقول إنهم وجدوا في ظواهر الألفاظ لبعض الأحاديث ما يعينهم علي بث هذه الأوهام، وانتشر بين المسلمين جيش من هؤلاء المضلين اتخذوا من عقيدة القدر مثبطا للعزائم وغلا للأيدي عن العمل، وهذه سياسة الظلمة والمستبدين التي أدخلت علي الدين ما ليس فيه وحفظت من أعمال الاسلام فقط صورة الصلاة والصوم والحج فتحول الدين إلي طقوس شكلية لا تنفذ إلي جوهر العدل والرحمة والايثار والاخلاص والشرف.

ولذلك قال جمال الدين الأفغاني لمن ودعوه وهو يغادر مصر، لقد تركت لكم الشيخ محمد عبده وكفي به لمصر عالما، أما الخديوي عباس فكان يقول عنه إنه يدخل علي كأنه فرعون، ولشدة الاعتزاز بالنفس كان الأفغاني يقول للامام محمد عبده قل لي بالله أي ابناء الملوك أنت، وقد تأثر الشيخ محمد عبده بعدد من الرجال الذين أثروا حياته وأثّروا فيها، وكان من أولهم الشيخ درويش خضر الذي كان يلتقي به في إجازته من كل عام، فيتعهده بالرعاية الروحية والتربية الوجدانية، فيصب في روحه من صوفيته النقية، ويشحذ عزيمته ونفسه بالإرادة الواعية، ويحركه للاتصال بالناس، والتفاعل مع المجتمع، ويدعوه إلى التحدث إلى الناس ونصحهم ووعظهم، وهو الذي ساعده على تجاوز حدود العلوم التي درسها بالأزهر، ونبهه إلى ضرورة الأخذ من كل العلوم، بما فيها تلك العلوم.

التي رفضها الأزهر وضرب حولها سياجا من المنع والتحريم، ومن ثم فقد اتصل محمد عبده بالرجل الثاني الذي كان له أثر كبير في توجيهه إلى العلوم العصرية، وهو الشيخ حسن الطويل الذي كانت له معرفة بالرياضيات والفلسفة، وكان له اتصال بالسياسة، وعُرف بالشجاعة في القول بما يعتقد دون رياء أو مواربة، وقد حركت دروس الشيخ حسن الطويل، كوامن نفس محمد عبده، ودفعته إلى البحث عن المزيد، وقد وجد ضالته أخيرا عند السيد دار العلوم وفي مدرسة الألسن، كما اتصل بالحياة العامة، وكانت دروسه في الأزهر في المنطق والفلسفة والتوحيد، وكان يُدرّس في دار العلوم مقدمة ابن خلدون، كما قام بتأليف كتابا في علم الاجتماع والعمران، واتصل بعدد من الجرائد، فكان يكتب في الأهرام مقالات في الإصلاح الخلقي والاجتماعي، فكتب مقالا في الكتابة والقلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى