مقال

مصير العالم بعد الحرب.

جريدة الأضواء

مصير العالم بعد الحرب.

كتب / يوسف المقوسي

 

تقول النظرية أن الحرب نتيجة حتمية للسباق على القمة إن انطلق بين قوة صاعدة وقوة عظمى مقيمة. غير مهم من أشعل الحرب وشكل الحرب وأنواع الأسلحة المستخدمة. المهم هو أن القوة العظمى المقيمة كانت قد رتبت أمور مستقبلها على أساس غياب قوة عظمى أخرى مشاركة في القمة أو صاعدة في الأجل المنظور. ما حدث في حالة عالمنا بعيدا عن مدى انطباق النظرية عليه هو أن الدولة العظمى المقيمة وهي الولايات المتحدة أعلنت عند مطلع القرن الراهن على لسان رئيسها جورج بوش قيام نظام عالمي جديد حين أكدت له أجهزته الاستخ باراتية والأكاديمية أن القوة العظمى الأخرى الشريكة في القمة منذ نهاية الحرب العالمية وهي الاتحاد السوفييتي قد انفرطت نـتيجة هزيمتها في الحرب الباردة على يد غريمتها وشريكتها في القمة، الولايات المتحدة الأمريكية، ولن تقوم لها قائمة في الأجل المنظور بشهادة خبراء الاقتصاد والمالية، وبعضهم أمريكيون، من الذين باشروا بأنفسهم في عهد الرئيس يلتسين الإشراف على عمليات تفكيك الاقتصاد السوفييتي بعد انفراط الكيان السياسي للإمبراطورية السوفييتية.

 

كان أمثال هؤلاء الخبراء قد أكدوا للرئيس الأمريكي ولسابقيه من رؤساء أمريكا أن الصين لن تكون قوة عظمي في الأجل القريب والمتوسط استنادا إلى المواقف المعلنة من جانب رؤساء الصين أنفسهم ومن واقع متابعة السياسات المتدرجة والهادئة التي اتبعها هؤلاء الرؤساء ابتداء من الرئيس دينج تشاو بينج مهندس الإصلاح الاقتصادي وصانع مراتب الصعود وأهدافه. هؤلاء نجحوا في توظيف مصالح واستثمارات وتكنولوجيا أمريكية لصالح الاقتصاد الصيني. هكذا ساعدوا في تأجيل مواجهة بدت عاجلة حين تأكدت واشنطون من حجم ونوع الزيادة في القوة العسكرية للصين , وهي الزيادة التي لم يقدرها الخبراء الأمريكيون تقديرا سليما اعتمادا على مؤشرات غير دقيقة ومراعاة للعلاقة الاقتصادية بين البلدين.

 

بدا لنا من خارج الولايات المتحدة أن الرئيس دونالد ترامب قرر إطلاق السباق مع الصين وليس مع روسيا، وهو القرار الذي لم يكن متوقعا في دوائر الاقتصاد والمال. ولا شك أن كوفيد 19 لعب الدور الأساسي في إثارة حملة كراهية عنصرية أظن أنها كانت متعمدة في جانب منها للحاجة إليها لتمهيد تربة خصبة يجري فيها غرس بذور إحباط مساعي الصين لصعود أقل تدرجا وبقفزات أكبر. هذا في حال قرر الحزب الشيوعي الصيني استخدام أسلوب القفزات في السباق أسوة بالقفزات المعروفة التي سبق وجربها في مختلف مجالات التنمية. وبالفعل كان هو الأسلوب الذي قرر الرئيس شي استخدامه منذ وصل إلى رئاسة الحزب.

 

خطأ كبير إضاعة الوقت حول مسئولية إشعال الحرب في أوروبا وتصعيدها. كنا في انتظار حرب تنشب تعيد بنتائجها تعريف حدود القوة بين أطراف القمة. لم يعد ممكنا الاستمرار لمدة أطول في حالة الميوعة السائدة داخل القمة. وفي الوقت نفسه لم يكن مسموحا أن تنشب حرب داخل مجتمع القمة بالنظر إلى ما كدسته القوى العظمي من أسلحة نووية وصواريخ بسرعات فائقة وقوة تدمير هائلة للذات والغير والعالم كله. الحرب في الحالة الراهنة ضرورة. المهم أن تتفادى استخدام أسلحة الدمار النووى. مهم أيضا أن تستخدم بديلا لأسلحة الدمار الشامل كل أنواع الأسلحة الأخرى التي أبدع العقل في خلقها أو تطويرها.

 

الواقع يثير أسئلة وعناوين قضايا عديدة، منها على سبيل المثال:

أولا: دول صغيرة كبولندا ولاتفيا وإستونيا وليتوانيا ودول في شمال آسيا لن تفكر في حاجتها إلى الانضمام لحلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي لضمان استقلالها عن النفوذ الروسي. أثبتت الحرب في أوكرانيا أنها ستكون الخاسرة في نهاية الأمر. واضح تماما أن الدول الغربية لن تتدخل أكثر إلا لحد معين، واضح أيضا أن قدرة الاتحاد الروسي على تحمل العقوبات والحصار كبيرة.

ثانيا: دروس التاريخ مستمرة وقليلون هم الذي يتعظون. حصار ألمانيا والانتقام منها والعقوبات التي فرضت عليها وشيطنتها، كلها لم تمنعها عن النهوض واستئناف الصعود رغم التدمير الكبير الذي حل بها. قدرة القطب المنهزم على كسر القيود واستعادة ما فقد قدرة غير محدودة. ها هي روسيا تواجه وحدها الغرب بأسره ولم تنهزم.

 

ثالثا: نهم أوروبا للانقسام والاختلاف والعنف لم يهدأ أو يجد ما يشبعه. سمعت من صديق قريب إلى مراكز النفوذ في قيادة الاتحاد الأوروبي أن قادة أوروبا يتهامسون بالألم المشوب بالغضب من إغفال أمريكا، يبدو لبعضهم متعمدا، لمصالحهم ومشاريعهم نحو إنشاء قوة دفاع أوروبية منفصلة عن الناتو. بعض القادة الألمان لا يخفون غضبهم لما انتهى إليه قرار الانفتاح على الشرق، أي على روسيا، وكان حافزا مرفقا بإقامة ألمانيا الموحدة. كان لهذا الحافز فيما يبدو بعض الفضل فيما حققته ألمانيا اقتصاديا وسياسيا خلال السنوات الأخيرة. يتهامسون الآن بالقول أن أمريكا تحاول بكل قوتها إحباط هذه المبادرة والعودة بأوروبا إلى أجواء حائط برلين، أي إلى فرض الحصار مزدوجا، على روسيا وألمانيا في وقت واحد.

 

وفي غياب توقع عمل جاد من جانب الأمم المتحدة وفي وجود حلف الناتو المتهم بجرائم حرب في عديد مراحله ومع استمرار الخلافات داخل معسكر الغرب يصعب علينا تصور مرحلة في المستقبل المنظور يخيم فيها على العالم سلام ورخاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى