مقال

الدكروري يكتب عن شهر الإنتصارات والفتوحات ” جزء 11″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن شهر الإنتصارات والفتوحات ” جزء 11″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الحادي عشر مع شهر الإنتصارات والفتوحات، فقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم كما فى صحيح البخارى من حديث الزبير رضي الله عنه قال “لأن يأخذ أحدكم أحبلها ثم يذهب فيأخذ حزمة من حطب فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه” ولذا لو سبرتم أحوال الناس الذين فاتهم الخير لا تجد أن سبب فوات هذا الخير إلا من الكسل، فإن الكسل هو سبب من أسباب موات الهمم، بل إنه مقبرة النبوغ، ولكم عُرف من أشخاص عندهم من الذكاء والفطنة الفهم ما ليس عندهم، لكنهم نحوا أفكارهم وأبدانهم عن ممارسة الأعمال التى تعود عليهم بالخير، فأصبحوا في عداد الموتى وهم وللأسف أحياء، إذن الكسل مقبرة النبوغ، بل إنه طريق لاستباحة أموال الناس بغير حق، ولذا ما تراه من كثرة المتسولين في هذا العصر ليس إلا ناتجا من الكسل.

 

وإلا لو أن أحد هؤلاء ذهب فتكسَّب فأنفق على نفسه وعلى أسرته لكف وجهه من الامتهان والابتذال، فإن الكسل سببه هو البعد عن ذكر الله عز وجل كما قيل فى الحديث “فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، وإن توضأ انحلت عقدة، وإن صلى انحلت عقده، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان” فسبب الكسل هو البعد عن ذكر الله عز وجل، ولذا ابن تيمية رحمة الله، ماذا كان يقول؟ ويقول عن جلوسه بعد صلاة الصبح يذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس”هذه غدوتى أستعين بها على عمل يومى، فإن تركتها خارت قواى” لم؟ لأن الذكر بإذن الله عز وجل، وهو سبب من أسباب النشاط، ولذا النبى صلى الله عليه وسلم لما أتته ابنته السيدة فاطمة لتسأله خادمة تعينها على قضاء شؤونها في البيت، أرشدها صلى الله عليه وسلم عند النوم أن تسبح الله ثلاثا وثلاثين، وأن تحمده ثلاثا وثلاثين، وأن تكبِره أربعا وثلاثين.

 

قال “فإن هذه خير لك من خادم” ولذا يقول بعض العلماء إن أصحاب المهن الشاقة إن اعتادوا على هذا الذكر فبإذن الله عز وجل يستعينون على قضاء أعمالهم الشاقة بكل سهولة ويسر إذا استمروا عليه، إذن الكسل مظهر من مظاهر تأخر الأمم والشعوب، ودليل على سقوط همة الإنسان، ويورث كما أسلفنا الذل والهوان، ولن ترتقى إلى أعلى المراتب في الدنيا ولا فى الآخرة إلا بالنشاط وترك الكسل، وإن من الإنتصارات فى هذا الشهر الفضيل هو الانتصار على الصحبة السيئة، فعندما يقبل رمضان شهر الهداية والغفران، فيكون آن الأوان لمن التفّ حوله قرناء السوء وشياطين الإنس طوال العام وحالوا بينه وبين طاعة ربه وأوقعوه في كل رذيلة، وحرموه من كل فضيلة، أن يفرّ إلى ربه ويلجأ إلى الحصن الحصين والركن القوى المتين، فالفرصة سانحة والجو مناسب والنفوس مهيأة.

 

وأيدي المؤمنين تمتد لتنتشل التائبين وألسنتهم تلهج بالدعاء أن يهدي الله قلوبهم، وداعي رب العالمين يهتف يا باغي الخير أقبل فاستجب لداعى ربك ولا تتأخر ولا تلتفت إلى أصحاب السوء فإنهم إن لم يعقوك عن سيرك إلى الله يوقفوك ويعطلوك، فعن أبى هريرة رضي الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ” المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل” ولكن كيف تنتصر على نفسك فى رمضان؟ فإن لشهر رمضان فوائد نفسية جمة، ففى صيامه تهذيب لنفسك وتطهير لها من الذنوب والآثام، وفيه تتعلم كيفية التحكم بشهواتك، وتقويتك لإرادتك وضميرك، والتحكم بسلوكك، والشعور بغيرك من الناس، وهو مدرسة للصبر، وبه تنعم بالراحة والطمأنينة والسلام النفسى، لتمحو ما علق بنفسك من هموم ومشاكل وآثام فيما سبقه من العام، وتعينك على ما تبقى من أيامه، فعُد إلى الله بقلب صادق.

 

فلقد سمي شهر رمضان بهذا الاسم لأنه يرمض الذنوب، بمعنى أنه يحرق الذنوب ويمحوها، وإذا كان كذلك فعليك أن تعقد العزم على استغلال أيامه بالتوبة الخالصة، النابعة من القلب والروح، وعليك أن تكثر من الاستغفار والدعاء في القيام والصيام وقراءة القرآن، بأن يغفر لك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، فإن جميع الأسباب فى شهر رمضان مهيئة للتوبة والعودة إلى الله بلقب صادق، فالشياطين مصفدة والفرص عظيمة والأجواء رواحنية، فلا تضيع ذلك، فحافظ على أذكار الصباح والمساء فى رمضان وحاول تخصيص وقت فى الصباح والمساء لقراءة الأذكار والأخذ بفضلها، ولتتقرب من الله ويتعلق قلبك به، ولتحصن نفسك بها من الشيطان الرجيم، وهى عديدة ومتنوعة ولا تأخذ منك الوقت الكثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى