مقال

الدكروري يكتب عن فضل العشر الأواخر من رمضان ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن فضل العشر الأواخر من رمضان ” جزء 1″
بقلم/ محمـــد الدكـــروري

إن الليالى العشر الأواخر من رمضان هى أفضل ليالى العمر على الإطلاق، وأجمعها للخير، وأعظمها للأجر وأكثرها للفضل، فإن فيها عطاء جزيل، وأجر وافر جليل، وقد اقترن فيها الفضل بالفضل، وهو فضل الزمان مع فضل العبادة مع فضل الجزاء، ففيها النفحات والبركات، وفيها إقالة العثرات واستجابة الدعوات، وفيها عتق الرقاب الموبقات، وإن المؤمن يعلم أن هذه المواسم عظيمة، والنفحات فيها كريمة ولذا فهو يغتنمها، ويرى أن من الغبن البين تضييع هذه المواسم، وتفويت هذه الأيام والفرص، ولقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعطى هذه الأيام عناية خاصة ويجتهد فى العمل فيها أكثر من غيرها، فإنها عشر ليال فقط تمر كطيف زائر فى المنام، وتنقضى سريعا، وتغادرنا كلمح البصر، فليكن استقصارك المدة معينا لك على اغتنامها وتذكر أنها لن تعود إلا بعد عام كامل، لا ندرى ما الله صانع فيه.

وعلى من تعود، وكلنا يعلم يقينا أن من أهل هذه العشر من لا يكون من أهلها فى العام القادم، أطال الله فى أعمارنا على طاعته، ولقد بدأت العشر وبدأ السباق، فأين المقتدون ؟ وأين المهتدون؟ إنها ليالى العابدين، وقرة عيون القانتين، وملتقى الخاشعين، ومحط المخبتين، ومأوى الصابرين، فيها يحلو الدعاء، ويكثر البكاء إنها ليالى معدودة وساعات محدودة، فيا حرمان من لم يذق فيها لذة المناجاة، ويا خسارة من لم يضع جبهته فيها ساجدا لله، إنها ليالى يسيرة، والعاقل يبادر الدقائق فيها لعله يفوز بالدرجات العُلا في الجنان، وإنها ليست بجنة بل جنان، فيا نائما متى تستيقظ؟ ويا غافلا متى تنتبه؟ ويا مجتهدا اعلم أنك بحاجة إلى مزيد اجتهاد، ولا أظنك تجهل هذه الآية ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ” فماذا سيرى الله منك فى هذه العشر؟ وأن هذه العشر كان النبى الكريم صلى الله عليه وسلم يستعد لها استعدادا خاصا.

ويجتهد فيها ما لا يجتهد فى غيره، فعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت “كان النبى صلى الله عليه وسلم يجتهد فى العشر ما لا يجتهد فى غيره” رواه مسلم، وعن السيدة عائشة رضى الله عنها أيضا قالت” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد المئزر، وأحيا ليله، وأيقظ أهله” رواه البخارى ومسلم ومعنى شد المئزر كناية عن الاجتهاد فى العبادة واعتزال النساء، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فى العشر الأواخر من رمضان فى مسجده صلى الله عليه وسلم، فكان يعتزل النساء، ويلتزم المسجد، ويحيى الليل بالصلاة والعبادة، ولا يشغل نفسه في هذه العشر إلا بالعبادة، العبادة فحسب، بل كان يقتطع من الوقت ما استطاع ويفرغ منه ما أمكن، فلا يضيع منه شيئا ولو حتى في تناول الطعام، فقد كان يواصل الصيام إما للسحر وإما لأيام متتالية تفريغا للوقت في الطاعة.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال “نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الوصال فى الصوم فقال له رجل من المسلمين إنك تواصل يا رسول الله، قال “وأيكم مثلى، إني أبيت عند ربى يطعمنى ويسقينى” رواه البخارى ومسلم، وقال ابن رجب الحنبلى ومعلوم أنه لا يطعمه الطعام والشراب الحسى، لأن ذلك مناف لحقيقة الصيام، وإنما هو إشارة إلى ما كان يفتحه الله عليه من مواد أنسه ونفحات قدسه، فكان يرد على قلبه من المعارف الإلهية والمنح الربانية ما يغذيه ويغنيه عن الطعام والشراب كما قيل لها أحاديث من ذاكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد، والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أشد ما يكون اجتهادا فى هذه العشر الأواخر، وهكذا ينبغى على المسلم أن يتخفف من المباحات ويقلل من أوقات الأكل والنوم ليفسح للطاعات مكانا، ويواصل عبادته بالليل والنهار تقربا إلى الله تعالي.

وتشبثا بأسباب المغفرة، وفى الثلث الأخير من شهر رمضان المعظم تتضاعف الحسنات وتتعدد المناسبات فقد جعل الله تبارك وتعالى في العشر الأواخر ليلة القدر التى هي خير من ألف شهر إكراما من الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى تكثر حسناتها ولا تسبقها الأمم الأخرى، فعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” رواه البخارى ومسلم، وإن من أهم الأعمال التى عليك أن تحرص عليها في العشر الأواخر من رمضان، هو إحياء الليل، فعن السيدة عائشة رضى الله عنها “أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحياء الليل وأيقظ أهله وشد مئزر” ومعنى إحياء الليل أى استغرقه بالسهر فى الصلاة والذكر وغيرهما، وقيام الليل فى هذا الشهر الكريم وهذه الليالى الفاضلة لا شك أنه عمل عظيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى