مقال

الدكروري يكتب عن فضل العشر الأواخر من رمضان ” جزء 17″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن فضل العشر الأواخر من رمضان ” جزء 17″

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السابع عشر مع فضل العشر الأواخر من رمضان، ولأن العبد إذا وافق حكمة ربه، فتأمل ماذا يريد الله من وراء هذه الأوامر، والنواهي، والنصوص، والتشريعات، فسار على وفق مراد الله، وحقق حكمة الله، فإنه من أولي الأبصار والألباب، وكذلك يكون من الأخيار الذين أراد الله بهم خيرا بالفقه في دينه، ومن أشهر ما يفعل في هذه الليلة هو القيام، وقد اعتكف النبى الكريم صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر كلها لإصابة ليلة القدر لأن من اعتكف العشر الأواخر، وقام في كل ليلة منها وهو يدعو فإنه بالتأكيد سيصيبها، والنبى الكريم صلى الله عليه وسلم كان يقوم حتى تتورم قدماه كما قال الله فى كتابه العزيز ” كانوا قليلا من الليل ما يهجعون” وكان السلف يسيرون على هذا المنوال، يقومون ليلهم، ويخفون دعائهم.

 

فقال تعالى ” إذ نادى ربه نداء خفيا” وكان ظمأ الهواجر، يعنى العطش فى الصيام لأجل حر النهار، وألم الأرجل فى الليل من طول القيام هو أشهى ما عند العابدين، والذي يرغبهم في البقاء في الدنيا، وليس كثرة الأموال، ولا السعي في الاستثمارات، ولا الضرب في السياحات، وإنما هو ظمأ الهواجر، وقيام الليل، ومن أطال قيام الليل هون الله عليه وقوف يوم القيامة كما قال الأوزاعي رحمه الله لأن يوم الدين فيه وقفة طويلة جدا لأنه في الطول خمسين ألف سنة، الناس واقفون على أقدامهم، لا قاعد، ولا مضطجع، ولا متكئ، وإنما هم قيام كما قال الله تعالى” يوم يقوم الناس لرب العالمين” ويشتد الحر على الناس لأمور ثلاثة هو الزحام، فليس للإنسان إلا موضع قدميه، ودنو الشمس قدر ميل من رؤوس العباد، وتقريب جهنم فقال تعالى ” وجيء يومئذ بجهنم ” تجرها الملائكة، فيأخذ الناس من العرق والكرب ما الله به عليم.

 

ويذهبون يطوفون على الأنبياء ليطلبوا منهم التدخل عند الله لفصل القضاء، فينالها الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود، وإن من طال قيامه اليوم هون الله عليه القيام غدا، ومن مشى إلى المساجد في الظلمات في العشاء والفجر فله النور التام، فقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة” ويدخل فيه مشيهم اليوم لصلاة التراويح قياما بالليل لله تعالى، فكان صفوان بن سليم يصلي في الشتاء على السطح، وفي الصيف في بطن البيت يتيقظ بالحر والبرد حتى يصبح، وترم رجلاه، ويظهر فيه عروق خضر، فقالت بنت لجار منصور بن المعتمر، لأبيها يا أبت أين الخشبة التي كانت في سطح منصور قائمة؟ فقال يا بنيه ذاك منصور نفسه كان يقوم الليل، فلما مات اختفت الخشبة فى نظر البنت.

 

وكان ابن أبي ذئب يصلي الليل ويجتهد فيقول له بعض أهله ارفق بنفسك، فيقول إن القيامة تقوم غدا كأن القيامة تقوم غدا، هكذا كانوا يجتهدون، فيقول تعالى ” يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه” وكانوا لا يقطعون هذه العادة لا في حضر، ولا في سفر، حتى يقطعهم الموت، وكذلك كان بعضهم يحرس أصحابه فى السفر إذا ناموا في الليل وهو قائم لله تعالى، وكان بعضهم يتهجد طويلا فإذا نعس هز رأسه يطرد النعاس، ويناجون الله تعالى، يصلون الليل، ويستغفرون بالأسحار، والاستغفار عبادة عظيمة، ويندب الإكثار منه في السحر، وهو قبيل الفجر، ومنه أخذ واشتق اسم السحور، ومن أى شيء يستغفرون وقد كانوا يعبدون؟ فيقول تعالى ” كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون” لأن المؤمن دائما يرى نفسه مقصرا، وقد لا يقبل منه، فهو يستغفر من التقصير، ويرجو القبول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى