مقال

الدكروري يكتب عن الوفاء بالعهد والميثاق ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الوفاء بالعهد والميثاق ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الوفاء بالعهد والميثاق، وعن السيدة عائشة رضى الله عنها، قالت ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل من الأعراب جزورا بوسق من تمر الذخرة، وتمر الذخرة هو العجوة، فرجع به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فالتمس له التمر، فلم يجده، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له “يا عبد الله، إنا قد ابتعنا منك جزورا بوسق من تمر الذخرة، فالتمسناه، فلم نجده” قال، فقال الأعرابي واغدراه، قالت فنهمه الناس، وقالوا قاتلك الله، أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “دعوه فإن لصاحب الحق مقالا” ثم عاد له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “يا عبد الله، إنا ابتعنا منك جزائرك، ونحن نظن أن عندنا ما سمّينا لك، فالتمسناه، فلم نجده” فقال الأعرابي واغدراه، فنهمه الناس، وقالوا قاتلك الله.

 

أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “دعوه فإن لصاحب الحق مقالا” فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين، أو ثلاثا، فلما رآه لا يفقَه عنه، قال لرجل من أصحابه “اذهب إلى خويلة بنت حكيم بن أمية، فقل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك إن كان عندك وسق من تمر الذخرة، فأسلفيناه حتى نؤديه إليك إن شاء الله” فذهب إليها الرجل، ثم رجع الرجل، فقال قالت نعم، هو عندي يا رسول الله، فابعث مَن يقبضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل “اذهب به، فأوفه الذي له” قال فذهب به، فأوفاه الذي له، قالت فمرّ الأعرابي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه، فقال جزاك الله خيرا فقد أوفيت وأطيبت، قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أولئك خيار عباد الله عند الله يوم القيامة، الموفون المطيبون” رواه احمد.

 

وكذلك يجب علينا الوفاء لعلمائنا، سواء الأحياء منهم والأموات، ويكون بالدعاء، والاستغفار لهم، من حين لآخر، وذكر مناقبهم، والتجاوز عن زلاتهم، والتصدي لكل من يخوض في أعراضهم، ونصح طلاب العلم باقتناء كتبهم، ودراستها، ونشر ما فيها من العلم، ولكن الوفاء لا يكون على حساب الدين، فإنه ليس من الوفاء موافقة الأخ فيما يخالف الحق في أمر يتعلق بالدين، بل من الوفاء له المخالفة والنصح لله، وقيل كان الإمام الشافعي رحمه الله يحب محمد بن عبدالحكم، ويقربه، ويقبل عليه، ويقول ما يقيمني بمصر غيره، فمرض محمد، فعاده الشافعي فقال مرض الحبيب فعدته، فمرضت من حذري عليه، وأتى الحبيب يعودني، فبرئت من نظري إليه، وظن الناس لصدق مودتهما أنه يفوض أمر حلقته العلمية إليه بعد وفاته، فقيل للشافعي في علته التي مات فيها رضي الله تعالى عنه إلى مَن نجلس بعدك يا أبا عبدالله؟

 

فاستشرف له محمد بن عبدالحكم وهو عند رأسه ليومئ إليه، فقال الشافعي سبحان الله أيشك في هذا؟ أبو يعقوب البويطي، فانكسر لها محمد، ومال أصحابه إلى البويطي، مع أن محمدا كان قد حمل عنه مذهبه كله، لكن كان البويطي أفضل وأقرب إلى الزهد والورع، فنصح الشافعي لله وللمسلمين، وترك المداهنة، ولم يؤثر رضا الخلق على رضا الله تعالى، وأيضا يكون الوفاء بالعهد مع غير المسلمين، فقد أوصانا الإسلام برعاية حقوق غير المسلمين المقيمين في ديار الإسلام، مع حفظ حقوقهم كاملة، وفي مقدمتها الأمان لهم، وحرم الإسلام الاعتداء على أعراضهم وممتلكاتهم، وأماكن عبادتهم، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “مَن قتل معاهدا، لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما” رواه البخاري.

 

وقال ابن حجر العسقلاني فى قول النبي صلى الله عليه وسلم “مَن قتل معاهدا” المراد به مَن له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزية، أو هدنة من سلطان، أو أمان من مسلم، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ألا مَن ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه أى خصمه، يوم القيامة” رواه أبى داود، وعن عمرو بن الحمق، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “من أمّن رجلا على نفسه فقتله، أعطي لواء الغدر يوم القيامة” رواه احمد، وعن عمرو بن ميمون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين خيرا أن يعرف لهم حقهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا، الذين تبوؤوا الدار والإيمان أن يقبل من محسنهم، ويعفى عن مسيئهم، وأوصيه بذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أي أهل الذمة من أهل الكتاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى