مقال

الدكروري يكتب عن التاجر المسلم الصدوق ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن التاجر المسلم الصدوق ” جزء 5″

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع التاجر المسلم الصدوق، أما إذا كان البائع كاذبا في حلفه، فهي كبيرة من كبائر الذنوب، حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير، وأوعد فاعلها بالعذاب الأليم من رب العالمين، فقال صلى الله عليه وسلم “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم” قال فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار، قال أبو ذر خابوا وخسروا، مَن هم يا رسول الله؟ قال “المُسبل، والمنان، والمُنفق سلعته بالحلف الكاذب” وكذلك أيضا الاحتكار وهو حبس أقوات الناس وحاجاتهم بقصد إغلائها، واستغلال حاجة الناس إليها، مما يسبب إضرارا وتضييقا على أفراد المجتمع المسلم، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الفعل، وأخبر بأن فاعلَه آثم خاطئ، فقال “مَن احتكر، فهو خاطئ” وقال “لا يحتكر إلا خاطئ” كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله يُعجّل العقوبة للمحتكر في الدنيا قبل الآخرة.

 

معاملة له بنقيض قصده، فهو أراد من حكرته أن يزيد في ربحه، فعاقبه الله تعالى بذهاب نعمتي العافية والمال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَن احتكر على المسلمين طعاما، ضربه الله بالجذام والإفلاس” ونلخص مما سبق إلى أنه لا انفكاك بين التجارة وقيم الإسلام وضوابطه، وأنه كلما اقترب التاجر من أخلاق دينه وقيمه، كان أقرب إلى الله تعالى، وأقرب إلى قلوب الناس، وأنفع لنفسه ولأبناء أمته ومجتمعه، وإن من القيم الإسلامية في البيع والشراء هي السماحة ويقصد بها التيسير في المعاملة والرضا بيسير الربح وحسن الطلب، وهي من أخلاق المسلم التي عليه التحلي بها فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى” ففي هذا الحديث الحض على السماحة وحسن المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة في البيع.

 

وذلك سبب لوجود البركة فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحض أمته إلا على ما فيه النفع لهم في الدنيا والآخرة، فأما فضل ذلك في الآخرة، فقد دعا عليه السلام بالرحمة لمن فعل ذلك، فمن أحب أن تناله بركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فليقتدي بهذا الحديث ويعمل به، ومن حسُنت نيته في هذا الباب، كافأه الله يوم القيامة بحسن الجزاء فعن حذيفة قال “أتي الله بعبد من عباده آتاه الله مالا، فقال له ماذا عملت في الدنيا؟ قال ولا يكتمون الله حديثا، قال يا رب، آتيتني مالك، فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أتيسر على الموسر، وأنظر المعسر، فقال الله أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي” فقال عقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود الأنصاري هكذا سمعناه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم” ففي هذا الحديث فضل إنظار المعسر، والوضع عنه قليلا أو كثيرا، وفضل المسامحة في الاقتضاء من الموسر، وفيه عدم احتقار أفعال الخير.

 

فلعله يكون سببا للسعادة والرحمة، ومن المسامحة في البيع الإقالة، وهي فسخ العقد ورجوع كل من المتعاقدين بما كان له، بمعنى أن يشتري الإنسان شيئا ثم يظهر له عدم حاجته إليه، فيطلب الإقالة وفسخ العقد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من أقال عثرة أقاله الله يوم القيامة” وإنما كانت الإقالة مشروعة “لما فيها من التيسير على الناس، وتخليصهم مما يظنون أنه ورطة يندمون على الوقوع فيها، فقد يعقد أحدهم عقدا ثم يرى أنه مغبون فيه، أو أنه ليس بحاجة إليه، فيبقى في غم وكرب، ويكون في إقالته منه تنفيس لكربه وتفريج لغمه، وفي ذلك من الأجر ما فيه” وبالتزام هاته الآداب وغيرها، ينجو التاجر من ويلات التجارة ومزالقها، فعن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون، فقال يا معشر التجار.

 

فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال “إن التجار يُبعثون يوم القيامة فجارا، إلا من اتقى الله وبرّ وصدق” أي إنه لما كان ديدن بعض التجار التدليس في المعاملات، وعدم التورع عن الأيمان الكاذبة لترويج السلع، حكم عليهم بالفجور، واستثنى منهم من اتقى المحارم وبر في يمينه، وصدق في حديثه، وكما أنه مطلوب الأمانة في البيع والشراء، وأداء الأمانة في البيع والشراء أن يلتزم فيهما الحدود الشرعية التي رسمها الشارع الحكيم، فلا يتعاطى المعاملة بالربا لا صريحا ولا حيلة فإن التحيل على الربا شر من الربا الصريح لأن المتحيل جمع بين المخادعة والربا، وعلى العامل بالبيع والشراء أن يتجنب الغش، فقيل أنه ذات يوم خرج أحد التجار الأمناء في سفر له، وترك أحد العاملين عنده ليبيع في متجره.

 

فجاء رجل يهودي واشتري ثوبا كان به عيب، فلما حضر صاحب المتجر لم يجد ذلك الثوب، فسأل عنه، فقال له العامل بعته لرجل يهودي بثلاثة آلاف درهم، ولم يطلع علي عيبه، فغضب التاجر وقال له وأين ذلك الرجل؟ فقال لقد سافر، فأخذ التاجر المسلم المال، وخرج ليلحق بالقافلة التي سافر معها اليهودي، فلحقها بعد ثلاثة أيام، فسأل عن اليهودي، فلما وجده قال له أيها الرجل لقد اشتريت من متجري ثوبا به عيب، فخذ دراهمك، وأعطني الثوب، فتعجب اليهودي وسأله لماذا فعلت هذا؟ قال التاجر إن ديني يأمرني بالأمانة، وينهاني عن الخيانة فقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم “من غش فليس مني” أحمد ومسلم، فاندهش اليهودي وأخبر التاجر بأن الدراهم التي دفعها للعامل كانت مزيفة، وأعطاه بدلا منها،ثم قال لقد أسلمت لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى