مقال

الدكروري يكتب عن العمل والأخلاق الإسلامية ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن العمل والأخلاق الإسلامية ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فقد جعل الإسلام العمل المشروع من أبرز المبادئ التي ينبغي أن يقوم عليها طلب الرزق، فالواجب على كل مسلم هو تحري العمل المشروع المباح واجتناب جميع الأعمال التي نهى عنها الإسلام وحذر منها، ولذلك يقول الله تعالى ” يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون” فالمسلم مُطالب بأن يأكل من حلال، وإذا أنفق فعليه أن ينفق من طيبات ما كسب، ولا يتحقق ذلك إلا بأن يكون العمل الذي اختاره وعمل فيه مشروعا قد أباحه الإسلام، ويعني ذلك أنه لا يجوز للمسلم أن يعمل في أي عمل يعده الشرع معصية، كما أنه لا يجوز له أن يعمل عملا يؤدي إلى مفسدة، وهو ما يطلق عليه في العرف الحديث الكسب غير المشروع أو العمل غير اللائق، وإن خلاصة آراء الفقهاء في مشروعية العمل والكسب الحلال أن عمل المسلم وكسبه يجب أن يكونا من وجه مشروع.

 

فعلى المسلم أن يتحرى وجوه العمل والكسب قبل الإقدام عليها، فإن وجده عملا حلالا طيبا عمل فيه، وإن كان عملا مشبوها أو غلب عليه الحرام فعليه اجتنابه، كما أن الإسلام حرم كل عمل من شأنه إهلاكُ العامل أو إلحاق الضرر به، وذلك وفق قاعدة “لا ضرر ولا ضرار” وقد قصد الشارع الحكيم بذلك حفظ الضروريات الخمس للإنسان وأوجب حمايتها، وهي الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل، ولكي تتحقق حماية هذه الكليات الضرورية والمحافظة عليها، اعتبر الإسلام أن كل عمل يخل بها أو يؤثر عليها أو يكون سبيلا إلى ذلك من الأعمال المحرمة التي يجب على المسلم اجتنابها والبعد عنها، ومن جملة هذه الأعمال المحرمة العمل في صنع الأصنام، وإنتاج الخمر، والعمل بالقمار، والميسر، والربا، والرشوة، والسحر، وتربية الخنازير، والسرقة، وقطع الطريق، والتغرير بالناس وخداعهم.

 

وكذا الأعمال التي تؤدي أو تعين على فعل الحرام، أمثال جمع العنب أو بيعه لمن يجعله خمرا، وبيع السلاح لمن يحارب المسلمين أو يهدد أمنهم، والعمل في أندية وملاهي فساد الأخلاق والاعتداء على الأعراض، وكما شرع الإسلام إبرام عقد للعمل بين العامل ورب العمل، يتم الاتفاق فيه على أمور مهمة جدا، تضمن تحقيق العدل بين طرفي العقد، واجتناب التنازع والخصام بينهما، وهي بيان نوع العمل وحجمه، بيان المدة أو الزمن المشروط للعمل، وتحديد أجرة العمل، وجعل الإسلام أساس هذا العقد، وسبحان الله العظيم القائل في سورة المائدة ” يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود” والتزاما بصفات المؤمنين المذكورة في قوله تعالى في سورة المؤمنون ” والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون” والحكمة من الأمر بالوفاء بالعقد هنا ترجع إلى أن العقد شريعة المتعاقدين فيما لا يخالف الشرع.

 

فهو الضابط الذي يحكم العلاقة بين الطرفين، ويجعلها تسير في طريق مأمون العثار، وهو الذي يحدد حقوق وواجبات كل منهما تحديدا واضحا، فتبقى العلاقة بينهما في إطارها الأخلاقي الصحيح، كما يوجه الإسلام إلى عدم إسناد العمل إلا لمن تتوافر فيه الأهلية والكفاءة لهذا العمل يقول تعالى على لسان يوسف عليه السلام ” اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظ عليم” فعبّر بقوله “إني حفيظ عليم” عن توافر الكفاءة فيه لتولي خزائن أرض ملك مصر، ويقول الله سبحانه وتعالي على لسان ابنة الرجل الصالح شعيب حين طلبت من أبيها استئجار نبي الله موسى عليه السلام كما جاء في سورة القصص ” يا أبتي أستأجره إن خير من أستأجرت القومي الأمين” فعبّرت بقولها القوي الأمين عن توافر الكفاءة فيه للعمل عند أبيها في رعي الماشية والقيام على شؤونها.

 

وكذلك أيضا لما طلب الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعمله في الولاية ضرب بيده على منكبه ثم قال “يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها” فأبو ذر هنا لا تنقصه الأمانة، فهو صحابي جليل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الذي ينقصه الكفاءة، وهو ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله “يا أبا ذر، إنك ضعيف” والمقصود أن في طبع هذا الصحابي الجليل لينا ورقة لا تناسب ما تقتضيه الولاية من قوة وشدة ترهب الظالم المعتدي وتردعه عن الاعتداء والظلم، وقد جعل صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة إسناد العمل إلى من ليس له بأهل حيث قال حينما سُئل متى الساعة؟ “إذا وُسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة” وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام هذا الأمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى