مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن بطة العكبري

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن بطة العكبري

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام ابن بطة العكبري من كبار علماء الحنابلة، وهو عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الحنبلي المذهب، وولد الإمام ابن بطة العكبري في عكبرا في شهر شوال سنة ثلاثمائة وأربعة من الهجرة، وسافر الإمام ابن بطة العكبري الكثير إلى مكة والثغور والشام والبصرة وغيرها من البلاد، وكان إماما فاضلا من أئمة السنة، من فقهاء الحنابلة، وكان صالحا زاهدا مستجاب الدعوة، وقال تلميذه العتيقي وكان شيخا صالحا مستجاب الدعوة، وقال أبو سعد السمعاني كان إماما فاضلا عالما بالحديث وفقهه، أكثر من الحديث وسمع جماعة من أهل العراق، وكان من فقهاء الحنابلة، صنف التصانيف الحسنة المفيدة، وقال الذهبي كان إماما في السنة، إماما في الفقه، صاحب أحوال وإجابة دعوة، وقال عبد الحميد بن علي العكبري لم أري في شيوخ أصحاب الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة، وقال القاضي أبو حامد الدلوي عن ابن بطة كان يأمر بالمعروف.

 

ولم يبلغه خبر منكر إلا غيرة أو كما قال، وقال أبو فتح القواس ذكرت لأبي سعد الإسماعيلي ابن بطة وعلمه وزهده، فقال شوقتني إليه، فخرج مع أولاده وأهله، فلما رجع جئت لأسلم عليه فقال لي أول ما رآني الرجل الذي ذكرت لي رأيته فوق الوصف، يعني ابن بطة، وقال أبو مسعود أحمد البجلي الحافظ وهو أحد أولاد أبي بكر الإسماعيلي فيقول أحببت الحنبلية منذ رأيت أبا عبد الله بن بطة، وقال أبو محمد الجوهري سمعت أخي أبا عبد الله يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت له يا رسول الله أي المذاهب خير أو قال قلت على أي المذاهب أكون؟ فقال ابن بطة، فخرجت من بغداد إلى عُكبرا، فصادف دخولي يوم الجمعة، فقصدت إلى الشيخ أبي عبد الله بن بطة إلى الجامع، فلما رآني قال لي ابتداء صدق رسول الله، صدق رسول الله، أو كما قال، وكان من شيوخه هم أبو القاسم عبد الله البغوي، وأبي ذر بن الباغندي، ومحمد بن مخلد.

 

ومحمد بن أحمد بن ثابت العكبري، وجعفر القافلائي، وأبو القاسم الخرقي، وأبو بكر عبد العزيز، وغيرهم، وكما كان من تلاميذ الإمام ابن بطة العكبري، هم الإمام أحمد العتيقي، أبو نعيم الأصبهاني، ومحمد بن أبي الفوارس، وأبو علي بن شهاب العكبري، وأبو محمد الجوهري، وآخرون، وأما عن أقواله في مسائل العقيدة فيقول الإمام ابن بطة العكبري في التوحيد قال وذلك أن أصل الايمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الايمان به ثلاثة أشياء، أحدها أن يعتقد العبد آنيته ليكون بذلك مباينا لمذهب أهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعا، والثاني وهو أن يعتقد وحدانيته ليكون مباينا بذلك مذاهب أهل الشرك الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره، والثالث وهو أن يعتقده موصوفا بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفا بها من العلم والقدرة والحكمة وسائر ما وصف به نفسه في كتابه إذ قد علمنا أن كثيرا ممن يقربه ويوحده بالقول المطلق.

 

قد يلحد في صفاته فيكون إلحاده في صفاته قادحا في توحيده، ولأنا نجد الله قد خاطب عباده بدعائهم إلى اعتقاد كل واحدة في هذه الثلاث والإيمان بها، وأما في الأسماء والصفات فقال في كتابه الإبانة الكبرى “وأجمع المسلمون من الصحابة والتابعين وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله تبارك وتعالى على عرشه فوق سماواته بائن من خلقه وعلمه محيط بجميع خلقه لا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحل مذاهب الحلولية” وأما عن الضعف في حفظه فقد قال الذهبي وكان صاحب حديث، ولكنه ضعيف، من قبل حفظه، وقال أبو القاسم الأزهري ابن بطة ضعيف ضعيف، وقال الذهبي تعقيبا على قول الأزهري ومع قلة إتقان ابن بطة في الرواية فكان إماما في السنة، إماما في الفقه، صاحب أحوال وإجابة دعوة، وقال محمد بن أبي الفوارس روى ابن بطة عن البغوي عن مصعب بن عبد الله عن مالك عن الزهري عن أنس عن النبي صلي الله عليه وسلم.

 

قال طلب العلم فريضة على كل مسلم، وقال الخطيب البغدادي وهذا الحديث باطل من حديث مالك ومن حديث مصعب عنه ومن حديث البغوي عن مصعب وهو موضوع بهذا الإسناد والحمل فيه على ابن بطة والله أعلم، وقال الذهبي تعقيبا على قول الخطيب أفحش العبارة، وحاشى الرجل من التعمد، لكنه غلط ودخل عليه إسناد في إسناد، لقلة إتقانه، وكما غلط ابن بطة في روايات عن حفص بن عمر الاردبيلي، أنبأنا رجاء بن مرجى، فأنكر الدارقطني هذا، وقال حفص يصغر عن هذا، فكتبوا إلى أردبيل يسألون ابنا لحفص، فعاد جوابهم بأن أباه لم يري رجاء قط، ومن مؤلفات الإمام ابن بطة العكبري، هو كتاب السنن، والإبانة الكبير والإبانة الصغير، والتفرد والعزلة، والمناسك، وتحريم النميمة، وصلاة الجماعة، وابطال الحيل، وغيرها الكثير، وهكذا كان هناك الإمام إبن بطة الأب والإمام إبن بطة الإبن، فأما عن ابن بطة الأب.

 

فهو أبو بكر محمد بن محمد بن حمدان بن بطه بن عمر بن عيسى بن إبراهيم بن سعد بن عتبة بن فرقد، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلقب بالعكبري نسبة إلى بلدته عكبرا وهي بالقرب من بغداد، وقال عنه الإمام الصفدي هو أبو بكر العكبري والد عبيدالله الفقيه صاحب المصنفات، وحدث عن عبدالله بن الوليد بن جرير وغيره، وروى عنه ولده في مصنفاته الوافي بالوفيات، وكان ابن بطة الأب على صلة بالعلم والعلماء، وهو الذي وجّه ابنه لطلب العلم، وأوفده إلى بغداد وهو لم يزل صغيرا لم يناهز العاشرة من عمره إلا قليلا ليتعلم على شيوخها، وقد توفي في منتصف القرن الرابع، وأما عن ابن بطة الابن وهو صاحب كتاب الإبانة، هو ابن بطة عبيدالله بن محمد بن محمد العكبري، من فقهاء الحنابلة وحفاظها، طلب العلم وهو صغير بتوجيه أبيه وقال ابن بطة ولدت سنة أربع وثلاثمائة، وكان لأبي ببغداد شركاء، فقال له أحدهم ابعث بابنك إلى بغداد.

 

ليسمع الحديث، قال هو صغير، قال أنا أحمله معي، فحملني معه، فجئت فإذا ابن منيع يُقرأ عليه الحديث، وقد أخذ ابن بطة العلم عن مُحدثي بغداد وعلمائها، ثم ارتحل في كهولته إلى دمشق وحمص وغيرها يسمع على شيوخها، وبعد رجوعه من رحلته في طلب العلم، لازم بيته وتفرّغ للتصنيف والتدريس مؤثرا العزلة، وقال الخطيب البغدادي “وحُكي عنه أنه لما رجع من الرحلة، لزم بيته أربعين سنة، فلم يُري يوما منها في سوق ولا رُئي مُفطرا إلا في يوم الأضحى والفطر، وكان أمّارا بالمعروف، ولم يبلغه خبر منكر إلا غيّره” ومع عزلته كان يسافر في بعض الأحيان إلى بغداد للتدريس بجامع المنصور فيها، وروى ابن أبي يعلى في طبقاته عن ابن شهاب أنه قال “رأيت أبا عبدالله بن بطة، وقد صلى صلاة الجمعة ببغداد أو في مسجد المنصور، وقد خرج بعد الصلاة، فمشى في الصحن الذي يلي المنبر.

 

فقال الناس في الرواق وما يليه ابن بطة، ابن بطة، فرأيت الناس يُهرعون إليه” وقال عنه الذهبي “الإمام، القدوة، العابد، الفقيه، المحدّث، شيخ العراق” وقال عبدالواحد بن علي العكبري “لم أري في شيوخ الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة رحمه الله” وقد توفي ابن بطة سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وله ثلاث وثمانون سنة، وكانت وفاته في بلدته عكبرا في عاشوراء، رحمه الله رحمة واسعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى