مقال

الدكروري يكتب عن المستمثر الوطني ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن المستمثر الوطني ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وكما قال تعالي في سورة البقرة ” وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة” وكما قال تعالي في سورة الأنعام ” وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم” وإن للإستثمار في حياة الإنسان مجالات متعددة يوضحها حديث النبي صلي الله عليه وسلم الذي يقول فيه “اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك” رواه الحاكم، وإن استثمار الصحة والشباب، وهو اغتنام هذا السن، وهو سن العطاء، وسن البناء، وسن الاندفاع، وسن الإرادة القوية، وسن البطولة، ألا تغارون من الصحابي الجليل أسامة بن زيد وهو ابن سبعة عشر عاما وعينه النبي صلي الله عليه وسلم قائدا لجيش فيهم أبو بكر، وفيهم عمر وعثمان، وعلي، هذا الشباب، الإسلام يعتز بالشباب.

 

وقد أقول لكم يعني لا تبنى نهضة أمة إلا على الشباب ولا ينتشر هذا الدين إلا على أيدي الشباب، ولا يرجى لهذه الأمة أن تعود إلى سابق عهدها من قيادة الأمم إلا الشباب، طاقة، اندفاع، فراغ، صفاء، قيم، مبادئ لو نظرت إلى إنسان تقدمت به السن انكفأ على نفسه، والشباب هم نبض الحياة في المجتمع، ولا شك في أن لديهم قدرات عقلية فائقة، وإمكانات كبيرة فيما يخص التعامل مع التكنولوجيا الحديثة ومفردات الحياة العصرية التي نعيشها الآن، ولا شك أن مهمة توجيه تلك الطاقات واستغلالها إيجابيا هو أفضل استثمار يمكن أن يؤدي إلى تقدم أي مجتمع وتفوقه بكل تأكيد، ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى هذه الطاقات الغضة لنزرع الأمل في الشباب ونهيئهم لمستقبل مشرق وإيجاد قاعدة إنتاجية مبدعة مفكرة تأخذ بيد مجتمعها لمسايرة التطور العملي والتطور العالمي السريع، فالشباب لا يدوم.

 

وما دام الشباب لا يدوم كيف نستغل هذه الفترة المتألقة من حياة الإنسان؟ وقد علم ذلك السابقون فاستثمروا شبابهم ففي البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له “بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل فلا تفعل، فإن لجسدك عليك حقا، ولعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، أو حظا كما في بعض الروايات صم وأفطر، صم من كل شهر ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر” فالحسنة بعشرة أمثالها، ثلاثة في عشرة بثلاثين كأنه صام الشهر كله، وثلاثة أيام من الشهر الذي بعده، وكأنه صام الشهر الذي بعده، وهكذا حتى كأنه صام الدهر، قلت “يا رسول الله إن بي قوة أو إن لي قوة” وكان عبد الله بن عمرو في فترة شباب فقال إن لي قوة، هو أصلا يستغل شبابه في قيام الليل وصيام النهار، لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم منه أن يعتدل في عبادته قال إن بي قوة.

 

فقال صلى الله عليه وسلم ” فصم صوم داود عليه السلام، صم يوما وأفطر يوما” وفي رواية ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم الصوم، فقال صم من كل عشرة أيام يوما ولك أجر التسعة، قلت إني أقوى من ذلك، قال فصم من كل تسعة أيام يوما ولك أجر الثمانية، فقلت إني أقوى من ذلك، قال فصم من كل ثمانية أيام يوما ولك أجر السبعة، قلت إني أقوى من ذلك، قال فلم يزل ويعني يتدرج معه حتى قال “صم يوما وأفطر يوما” يعني من كل يومين يصوم يوما، وفي رواية أن عبد الله قال “فإني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا أفضل من ذلك” والحديث في تكملته أنه صلى الله عليه وسلم لما وصف صيام داود قال “ولكنه كان لا يفر إذا لاقى” كان لا يفر إذا لاقى، يعني لم يكن هذا الصوم ليعجزه ولا ليضعفه عن الجهاد، فإذا كان صيام يوم وإفطار يوم سيجعلك تضعف عن القيام بالوظائف الأساسية.

 

بيتك، وأهلك، وعملك، وصلاتك، وجهادك، وطلبك للعلم، فإنك قد انشغلت بمفضول عما هو أفضل منه، هذا شرط صيام يوم وإفطار يوم، وأوصي باغتنام الصحة لأن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى، كم من أناس أصحاب أموال ضخمة ويتمني أن تؤخذ منه كل ثروته وترد عليه صحته، والصحة من أعظم نعم الله على الإنسان، اذ الحياة والسعادة مرتبطة بالصحة ودوامه، لذلك أولى الإسلام الاهتمام الكبير بالصحة وحث على العناية بها ذلك لابتغاء مرضاة الله ونيل سعادة الدنيا والآخرة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة أن يقال له ” الم نصح لك جسمك ونروك من الماء البارد” رواه الترمذي وابن حبان، ومن كان في شبابه مع الله عز وجل، يهيئ الله تعالى له شيخوخة متألقة، ومن عاش تقيا عاش قويا، الله يمتعه في صحته بسمعه ببصره، وبذاكرته، وبمكانته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى