مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن كمال باشا ” جزء 4″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن كمال باشا ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فالسيوطي أوسع نظرا، وأدق فكرا في هذه الفنون منه، بل من جميع معاصريه، وأظن أنه لم يوجد مثله بعده، وأما صاحب الترجمة فبضاعته في الحديث مزجاة، كما لا يخفى على من طالع تصانيفهما، فشتان ما بينهما كتفاوت السماء والأرض وما بينهما” ويقول العلامة عمر نصوحي معقبا على كلام الإمام اللكنوي “وفي الواقع أن العلامة ابن كمال باشا وإن كان مساويا للسيوطي في العلوم المتعلقة بالدراية، بل أدق نظرا منه، وأحسن فهما، وأحسن تصرفا، فإنه لا يساويه في الفنون المتعلقة بالرواية، فإن العلامة عبد الحي اللكنوي على حق في ذلك. ويظهر هذا الفرق جليا لمن طالع الأربعين وشرحه، وشرح مشارق الأنوار،لابن كمال باشا، ومؤلفات الإمام السيوطي الجامعة لآلاف الأحاديث الشريفة فيها، ويقول الدكتور حسن عتر بعد إيراد أقوال العلماء في موازنتهما “قلت اتفقوا على تفضيلهما على جميع علماء ذلك العصر.

 

واختلفوا في ترجيح فضل أحدهما على الآخر فإما أن يكون أحمد بن سليمان كالسيوطي تَماما، أو أنه يليه مباشرة، فلا يتوسط بينهما أحد في العلم والفضل والحق أن لكل منهما مزيته ورجحانه في جانب من العلوم، ولا ريب أن السيوطي أطول باعا، وأعظم تضلعا من علوم الحديث، وفي كل منهما خير عظيم وعلم غزير، رحمهما الله وجزاهما خيرا عن الإسلام والمسلمين” وإن العلامة ابن كمال باشا تميز في إجادته التامة للغات العربية والتركية والفارسية، الأمر الذي جعله يقف على أسرارها، ويؤلف في فقهها المقارن، فضلا عن أنه عاش على طول حياته رجل سياسة وقضاء، بينما يظل السيوطي متفردا في علوم الحديث، وأبرز ما تميز به العلامة ابن كمال باشا، هو وقوفه على قضايا دقيقة مما أشكل على بعض المتقدمين أمره، أو كثر الاختلاف فيه بينهم، سواء أكانت هذه المشكلات في اللغة، أم في الفكر، وسواء أكانت في المنقول، أم المعقول.

 

هذا وذهب كثير من المؤلفين إلى أنهم فضلوا العلامة ابن كمال باشا لانتشار شهرته العلمية في عصره على أكابر علماء الشرق أمثال العلامة التفتازاني، والفاضل السيد الشريف الجرجاني، وأن تقدمهما على ابن كمال باشا لم يكن إلا تقدما زمانيا، بل ظن هؤلاء أنهما أي السعد والسيد، لحضرا دروسه، لو أمكنهما ذلك، وهذا على ما فيه من المبالغة يفيد نظر البارعين والمؤلفين إليه في عصره، وبعد وفاته، والذين قاموا بالموازنة بين هذين العلمين الشامخين يرون أنهما عالمان متبحران في الاطلاع على الفقه، والكلام، والأصول، على السواء، ويرون ترجيح كفة العلامة ابن كمال باشا في علوم التصوف، والحكمة، والتاريخ، والأشعار التركية على العلامة أبي السعود، كما يرون تفوق العلامة أبي السعود في الأدب، وعظمة الأسلوب، وتناسب البيان، والأشعار العربية، وأحسن ما يقال في مكانة ابن كمال باشا العلمية .

 

أنه من أصحاب الترجيح القادرين على تفضيل بعض الروايات على بعض آخر، هو والعلامة أبو السعود العمادي، فإن مراتب الرجال بالفضل والكمال، لا بتقادم الأزمنة والآجال وخير دليل على ذلك رسالته في مسألة دخول ولد البنت في الموقوف على أولاد الأولاد‘ بالنسبة للأول، وبعض صور الفتاوى بالنسبة للثاني، وبعد أن اكتمل تكوينه العلمي على أيدي أفاضل علماء عصره صار مدرسا، وظل يترقى في التدريس متنقلا في مدارس، من مدرسة إلى أعلى منها وفي سنة تسعمائة وإحدي عشر من الهجرة، صار مدرسا بِمدرسة علي بك الشهير بالمدرسة الحجرية بأدرنه، بثلاثين درهما يوميا، وفي نفس الوقت كلف منه السلطان بايزيد الثاني أن يكتب تاريخ الدولة العثمانية، بتوصية من عبد الرحمن بن علي بن المؤيد وكان قاضيا بالعسكر المنصور في ولاية أناطولي آنذاك، ولأجل ذلك أعطى له السلطان بثلاثين ألف درهم.

 

وقد قام العلامة ابن كمال باشا بهذه المهمة خير قيام، فكتب تواريخ آل عثمان باللغة التركية، بدءا من سنة ستمائة وتسع وتسعين من الهجرة، وهي تاريخ قيام الدولة العثمانية، وانتهاء إلى عام تسعمائة وثلاث وثلاثين من الهجرة، أي قبل تاريخ وفاته بسبع سنين، وفي سنة تسعمائة وسبعة عشر من الهجرة، ولي التدريس بِمدرسة إسحاق باشا بمدينة أسكوب في البلاد اليونانية، بأربعين درهما يوميا، وفي سنة تسعمائة وثماني عشر من الهجرة، ولى التدريس بالمدرسة الحلبية بأدرنه، بستين درهما يوميا، ثم صار مدرسا بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنه، وبعدها بإحدى المدارس الثمان باستانبول، إلى أن أصبح مدرسا لمدرسة السلطان بايزيد الثاني بأدرنه، وهي من أكبر المدارس العثمانية آنذاك، وفي سنة تسعمائة واثنين وعشرين من الهجرة، بعد عودة السلطان سليم الأول من سفره إلى جالدران، صار قاضيا لأدرنه.

 

وفي السنة نفسها جعله السلطان سليم الأول قاضيا بالعسكر المنصور في ولاية الأناضول، وذلك قبل الرابع من شهر جمادى الأولى من سنة تسعمائة واثنين وعشرين من الهجرة، وهو خروج السلطان سليم الأول إلى سفره إلى القاهرة، وكان مع السلطان في هذا السفر، وعلى ذلك المنصب، وأسند إليه الإشراف على تنظيم الأمور بِمصر، في أثناء وجوده هناك مع السلطان سليم الأول، كما أسند إليه الإشراف على تنظيم الأمور الملكية وتحريرها بِمدينة قونيه، وذلك أثناء عودة السلطان سليم الأول من القاهرة، سنة تسعمائة واربع وعشرين من الهجرة، ويرى البعض أنه عزل من القضاء بالعسكر المنصور في ولاية الأناضول في سنة تسعمائة وخمس وعشرين من الهجرة، بوشاية من حساده إلى السلطان، كما يرى آخرون أنه اعتزل منه بطلب ورضا منه، وفي السنة نفسها تسعمائة وخمس وعشرين من الهجرة، عين مدرسا في مدرسة دار الحديث بأدرنه، وعين له كل يوم مئة درهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى