مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن خفيف ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن خفيف ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام ابن خفيف هو الشيخ الإمام العارف الفقيه القدوة، ذو الفنون أبو عبد الله محمد بن خفيف بن اسفكشار الضبي الفارسي الشيرازي، شيخ الصوفية، ويكنى أبا عبد الله، وهو أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف السني في القرن الرابع الهجري، وقال عنه أبو عبد الرحمن السلمي كان شيخ المشايخ في وقته، وكَان عالما بعلوم الظاهر وعلوم الحقائق، أوحد المشايخ في وقته حالا وعلما وخلقا، ووصفه الذهبي بأنه الشيخ الإمام العارف الفقيه القدوة ذو الفنون، وولد الإمام ابن خفيف سنة مائتان وست وسبعين من الهجرة، وأقام بشيراز وهي مدينة في إيران، وكَانَت أمه نيسابورية، وكان من أولاد الأمراء، فتزهد حتى قال كنت أذهب وأجمع الخرق من المزابل وأغسله وأصلح منه ما ألبسه، وحدث الإمام ابن خفيف عن حماد بن مدرك وهو آخر أصحابه، وعن محمد بن جعفر التمار، والحسين المحاملي ، وجماعة غيرهم، وتفقه على أبي العباس بن سريج.

 

وحدث عنه الشيخ أبو الفضل الخزاعي والحسن بن حفص الأندلسي وإبراهيم بن الخضر الشياح والقاضي أبو بكر بن الباقلاني ومحمد بن عبد الله بن باكويه، وأما عن رحلة الإمام ابن خفيف إلى أبي الحسن الأشعري فقد رواها الفخر الرازي في كتابه غاية المرام في علم الكلام، وتاج الدين السبكي في طبقاته عن ابن خفيف، وهي قصة كلها سجع بدأها بقوله دعاني أرب، ولوع ألب، وشوق غلب، وطلب يا له من طلب، أن أحرك نحو البصرة ركابي، في عنفوان شبابي، لكثرة ما بلغني، على لسان البدوي والحضري، من فضائل شيخنا أبي الحسن الأشعري، لأستسعد بلقاء ذلك الوحيد، وأستفيد مما فتح الله تعالى عليه من ينابيع التوحيد، ويكمل ابن خفيف هذه القصة، فيقول ما معناه وصلت إلى البصرة التي وجدتها على ما وصفت لي من الجمال والنظافة ورحابة صدور أهلها، وفيما أنا أدور وأبحث عمن يرشدني إلى الشيخ أبي الحسن، التقيت رجلا بهي المنظر.

 

بين جماعة من أصحابه، فارتحت إليه وعزمت على أن أكلمه فسلمت عليه ورد علي السلام وكلمني بأجزل الكلام وألطفه، فسألته عن الإمام الأشعري فقال لي وماذا تريد منه، قلت قد بلغني ذكره وعلمه فتقت لأن ألقاه وأستفيد من علمه، قال عد إلي غدا باكرا إلى هذا الموضع فأدلك عليه، فأتيت في اليوم التالي فلقيته في المكان عينه ينتظرني فسلم علي ورددت عليه، ثم مضى وأنا أتبعه حتى دخل دارا قد حضر فيها جماعة من الناس قد تسارعوا إلى الباب يستقبلونه بالترحاب والتعظيم، وقدموه إلى صدر المجلس ينتظرون حتى بدأ الشيخ يتكلم بلسان يفتق الشعور ويفلق الصخور، وألفاظ أرق من أديم الهواء وأعذب من زلال الماء، ومعاني ذات بيان، فكان إذا أوجز أعجز، وإذا أسهب أذهب، فلم يدع مشكلة إلا أزالها ولا فسادا إلا أصلحه، وسط حيرة الحاضرين وتعجبهم من كلامه، عندها سألت بعض الحاضرين من هذا الذي كان يتكلم بكلام لم أسمع مثله.

 

قال هو الباز الأشهب ناصر الحق وقامع البدعة، إمام الأمة وقوام الملة أبو الحسن الأشعري، فسرحت وأمعنت النظر في توسمه وتوقد جذوته، فإذا به يخرج من المجلس فتبعته فنظر إلي وقال يا فتى كيف وجدت أبا الحسن، فقلت ومسجل مثل حد السيف منصلت، تزل عن غربه الألباب والفكر، طعنت بالحجة الغراء جيلهم، ورمح غيرك منه العي والحضر، لا قام ضدك ولا قعد جدك، ولا فض فوك ولا لحقك من يقفوك، فوالذي سمك السماء وعلم ءادم الأسماء، لقد أبديت اليد البيضاء، وسكنت الضوضاء وكشفت الغماء، ولحنت الدهماء وقطعت الأحشاء وقمعت البدع والأهواء، ولكنه قد بقي لي سؤال، فقال اذكره، قلت رأيت الأمر لم يجري على النظام، لأنك لم تفتتح كلامك بالدليل، فقال إني في الابتداء لا أذكر الدليل ولا أشتغل بالتعليل، حتى إذا ذكر الخصم ضلالته وأفرد شبهته، أنص حينها على الجواب بالدليل والبرهان، فقال ابن خفيف.

 

فتعلقت بأهدابه لخصائص آدابه، ونافست في مصافاته لنفائس صفاته، ولبثت معه برهة أستفيد منه في كل يوم نزهة، وأدرأ عن نفسي للمعتزلة شبهة، ثم ألفيت مع علو درجته وتفاقم مرتبته، يقوم بتثقيف أوده من كسب يده، من اتخاذ تجارة العقاقير معيشة، والاكتفاء بها عيشة، اتقاء للشبهات وإبقاء على الشهوات، رضى بالكفاف وإيثارا للعفاف، وصحب الإمام ابن خفيف رويما بن أحمد وأبا محمد الجريري وأبا العباس بن عطاء وطاهر المقدسي وأبا عمر الدمشقي ولقي الحسين بن منصور، وحدث عن حماد بن مدرك وهو آخر أصحابه، وعن محمد بن جعفر التمار والحسين المحاملي وجماعة، وأما مصنفاته فكثيرة قال فيها تاج الدين السبكي وصنف من الكتب ما لم يصنفه أحد، وعاش من الزمن حتى عم نفعه، ومن الكتب التي صنفها هو كتاب آداب المريدين، واختلاف الناس في الروح، وجامع الإرشاد، والجمع والتفري، والفصول في الأصول، وفضل التصوف.

 

وكتاب الاستدراج، والاستذكار، والإعانة، والاقتصاد، والسماع، وقال السلمي أقام بشيراز وأمه نيسابورية وهو اليوم شيخ المشايخ وتاريخ الزمان لم يبقي للقوم أقدم منه ولا أتم حالا، صحب رويم بن أحمد وابن عطاء ولقي الحلاج وهو من أعلم المشايخ بعلوم الظاهر، متمسك بالكتاب والسنة وهو فقيه شافعي، وعن محمد بن خفيف الضبي قال قرئ على حماد بن مدرك وأنا أسمع حدثنا عمرو بن مرزوق، حدثنا شعبة، عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا صنعت قدرا فأكثر من مرقها، وانظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم بمعروف” وقال أبو عبد الرحمن السلمي قال أحمد بن يحيى الشيرازي ما أرى التصوف إلا يختم بأبي عبد الله بن خفيف، وكان أبو عبد الله من أولاد الأمراء فتزهد حتى قال كنت أجمع الخرق من المزابل وأغسلها وأصلح منه ما ألبسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى