مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الزركلي ” جزء 4″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الزركلي ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ولم يخرج هذا الكتاب مرة واحدة على الصورة التي عليها الآن، بل مر صاحبه برحلة كفاح طويلة استغرقت معظم حياته، فقد بدأ الإعداد في تأليفه في سن مبكرة من حياته وهو لا يزال صغير السن غض الإهاب، ثم صدرت طبعته الأولى في ثلاث أجزاء ثم سكت ثلاثون عاما حتى صدرت طبعته الثانية بعد مراجعة وتنقيح وإضافات، ثم استدرك على هذه الطبعة بأخرى مزيدة ومنقحة، ثم ظهرت الطبعة الرابعة الكاملة بعد وفاته، وكان المنهج الذي التزمه لاختيار من يترجم لهم هو أن يكون لصاحب الترجمة علم تشهد به تصانيفه أو خلافة أو ملك أو إمارة أو منصب رفيع كوزارة أو قضاء كان له فيه أثر بارز أو رئاسة مذهب، أو فن تميز به، أو أثر في العمران يذكر له، أو شعر أو مكانة يتردد بها اسمه، أو رواية كثيرة، أو أن يكون أصل نسب أو مضرب مثل، غير أن هذا النهج لم يلتزمه مع خلفاء الدولة العثمانية وكثير من أمرائها وولاتها.

 

فأعرض عن الترجمة لهم متأثرا بنزعته القومية العربية وعدم ميله إلى الأتراك، وكان قد عاصر الصراع الذي شب في الشام بين حكام الأتراك ورعاياهم من العرب، هذا في الوقت الذي عُني فيه بالترجمة لكبار المستشرقين، وانتهج في كتابه الترتيب الألفبائي وإيراد الترجمة تحت اسم العلم الحقيقي لا تحت اسم شهرته فترجمة المتنبي تحت اسمه أحمد بن الحسين لا تحت اسم شهرته، مع الإشارة تحت اسم الشهرة إلى الإحالة إلى موضع الترجمة تسهيلا للبحث، فحين يرد اسم المتنبي في حرف الميم يشير إلى اسمه الحقيقي الذي ترد فيه الترجمة، وحرص المؤلف على أن يلحق بالمترجم صورة له إن كان ذلك موجودا أو نموذجا من خطه وتوقيعه، وقد لقي الكتاب حفاوة وإقبالا من القراء والباحثين لأهميته، وتحريره المادة العلمية بدقة، وإرشاده إلى مراجع إضافية للمزيد، مع الدقة والإيجاز، ولم يعد يستغني عنه باحث أو تغفل اقتناءه مكتبة.

 

وظل الزركلي موضع حفاوة وتقدير من المجامع العلمية، فانتخب عضوا بالمجمع العلمي العربي بدمشق، واختير عضوا مراسلا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، وبالمجمع العلمي العراقي، وظل بعد خروجه من العمل الدبلوماسي مقيما بالقاهرة التي عاش فيها أغلب حياته، وفي إحدى زياراته إلى دمشق أصابته وعكة صحية ألزمته الفراش بصفة أسابيع، فلما قرب على الشفاء رحل إلى القاهرة للاستجمام، لكن الحياة لم تطل به فوافته المنية على ضفاف النيل في الثالث من شهر ذي الحجة عام ألف وثلاثمائة وست وتسعين من الهجرة، الموافق الخامس والعشرين من شهر نوفمبر عام ألف وتسعمائة وست وسبعين ميلادي، وهكذا وبعد حصول الزركلي على حظ من العلم، عُين الزركلي مدرسا في المدرسة الكاملية بدمشق والتي سُميت بالمدرسة الهاشمية فيما بعد، ودُعي إلى الجندية فدخلها ستة أشهر ثم توارى، ولجأ بعد أن هدد جمال باشا المتوارين بالقتل.

 

إلى إرضائه بمدحه بأربع قصائد، فأعفاه من الجندية، وانتدبه لتأليف كتاب في تراجم الشعراء الذين مدحوه، فعكف على الاشتغال بما سبق له البدء به من جمع التراجم لكتاب الأعلام ومطل جمال باشا في الكتاب الذي أراده متظاهرا بالعمل لإنجازه، وفي دمشق أصدر صحيفة الأصمعي الأسبوعية واستمرت حتى صادرتها الحكومة العثمانية، ثم أنشأ مع إبراهيم حلمي العمر بعد الحرب العالمية الأولى صحيفة لسان العرب، فصدرت ثلاثة أشهر، ثم تنازل عنها لشريكه، ثم أصدر صحيفة المفيد مع يوسف حيدر، واستمرت حتى دخول الفرنسيين دمشق فجاهرهم بالعداء ودعا إلى مقاومتهم، فحُكم عليه بالإعدام غيابيا، وبعد وقعة ميسلون غادر الزركلي الشام قاصدا القاهرة، ثم غادر الزركلي القاهرة بعد أن أقام فيها أشهرا إلى الحجاز بدعوة من ملكها حينئذ الشريف الحسين بن علي، وأقام في ضيافة الشريف حسين، آملا منه إنقاذ بلاد الشام من استعمار الفرنسيين والإنجليز.

 

وقد زار في رحلته تلك الطائف، وأقام فيها أكثر من عشرين يوما، وفيها وضع كتابه ما رأيت وما سمعت، في وصف رحلته إلى الحجاز جملة، وبعد عودته من الحجاز أقام في عمان، وعمل خلالها في حكومة شرقي الأردن مفتشا، ثم رئيسا لديوان رئاسة الحكومة، وقد كانت شرقي الأردن في ذلك الوقت مركزا لتجمع الوطنيين والأحرار من مختلف بلاد الشام أمثال محمد الشريقي، ونبيه العظمة، وفؤاد الخطيب، ورشيد طليع، وعادل أرسلان، وجودة الركابي، وكان الزركلي من أكثرهم حماسا ووطنية، وعلق الآمال على الأمير عبد الله بن الحسين في تحقيق آمال الأمة، ولكن الأمير لاين الإنكليز ولم يستجب للثوار، مما جعل قلب الزركلي يتغير عليه، وحداه ذلك وغيره إلى النيل منه، ويبدو ذلك جليا في كتابه الأعلام، وفي كتابه عامان في عمان الكتاب الذي ألفه في مرحلة إقامته بعمان، التجأ الزركلي إلى القاهرة بعد خروجه من عمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى