مقال

الدكروري يكتب عن الرسول ما بين الحصار والخروج ” جزء 5″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الرسول ما بين الحصار والخروج ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

فقال أبو معبد هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة،ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا، وأما عن المقاطعة أو الحصار فيمكن تعريف المقاطعة بأنها عبارة عن نبذ جماعي ومنظم، يطبق في الأمور العمالية، والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية للاحتجاج على الممارسات التي تعتبر ظالمة، وتستخدمها منظمات العمل عادة، من أجل تحسين الأجور، وظروف العمل من الإدارة، وقد تمارس المقاطعة من قبل إحدى الدول، أو مجموعة منها، أو إحدى المنظمات العالمية للتأثير أو الاحتجاج على سياسات دولة أخرى، وقد تعني المقاطعة رفض المشاركة في اجتماعات معينة، مثل مقاطعة ممثل دولة ما لإحدى المؤتمرات، أو الدعوات الدولية للإشارة إلى عدم الموافقة على السياسة، أو السلوك السياسي لدولة أخرى، ولقد حاول كفار قريش صد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشتى الوسائل والأساليب وكلها لم تجد نفعا.

 

فقرروا أن يقاطعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقاطعة كل من هو من قبيلته من بني هاشم، وكانت الأسباب الداعية لهم لهذه المقاطعة، هو انتشار الإسلام بين القبائل بشكل كبير، وتم مساومة قريش لأبي طالب لثني ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم عن دعوته، ولكن هذه المحاولة لم تنجح، وأيضا من الأسباب هو دخول قامات كبيرة من قريش في الإسلام، وهم عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما، وكذلك هجرة المسلمين إلى الحبشة، وتعهد ملكها النجاشي بحمايتهم، ما زاد من قلقهم لاتخاذ المسلمين بلدا يأمنون فيه على أنفسهم، فرض الحصار وصك صحيفة المقاطعة قرر كفار قريش اتخاذ هذه العقوبة الجديدة من نوعها، وهي فرض الحصار على المسلمين وتجويعهم، فابتدأت المقاطعة لأفراد بني هاشم ومن أسلم في السنة السابعة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فكتبوا صحيفة فيها قرارات جائرة بحق المسلمين.

 

وختموا عليها بأختامهم، واختاروا مكانا لتعليقها عليه، وهو جوف الكعبة بسبب احترامهم وتقديسهم لهذا المكان، ولتأخذ الصحيفة طابعا مهما لا يخرج عنها أحد، بل يلتزم الجميع بها ويوفي ما جاء بها، وقد نصت صحيفة مقاطعة بني هاشم على منع الزواج من المسلمين ومن هو معهم في الشعب أو تزويجهم، ومنع البيع والشّراء لمن هم في الشعب، ووقف التجارة معهم، وقف التزاور فيما بينهم، ولا دخول بيت أحد منهم، ومنع مخالطتهم ومجاسلة أحد منهم بأي شكل كان، وإن المتأمل في بنود الوثيقة أو الاتفاقية أو المعاهدة الخاصة بالحصار والمقاطعة، يجد ان قريشا قد احكمت البنود بعناية شديدة وعميقة، ولم تدع ثغرة يمكن النفاذ من خلالها مما يؤكد أنها وُضعت بعد مداولات ومشاورات على نطاق واسع وشاركت في وضعها عقول مفكرة امتزجت معها خبرات عديدة وحبكها ذكاء مفرط، ولم تكن مجرد رد فعل قريش على تحالف بني هاشم وبني المطلب.

 

لحماية النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لماذا كان بند النهي والمنع عن الزواج أو التزويج من بني هاشم وبني المطلب لأن الزواج فيه تواصل وتزاور، وتآلف، وتآزر ولو بقي متاحا لهم حتما سيؤدي الى افشال الحصار، ولماذا كان بند عدم مجالستهم ومخالطتهم والحديث معهم ؟ ذلك لتفويت أي فرصة في التحادث مع المحاصرين، وعدم اعطاءهم فرصة لعرض آراءهم ووجهات نظرهم، فقد يستطيع المحاصرون مسلمهم وكافرهم اقناع أهل الصحيفة او جزءا منهم بضرورة فك الحصار لأن المسلمين بما لديهم من وحي نازل من السماء على رسوله صلى الله عليه وسلم وبما لديهم من حق يمتلكون الأدلة عليه بما يستطيعوا به اقناع الاخرين لذلك اقفلت قريش هذا الباب عليهم، وأما بند عدم الدخول بيوتهم، فإنهم يدركون ان دخول البيوت والاطلاع على مدى الفقر والحاجة نتيجة ذلك الحصار، ورؤية الاطفال يبكون جوعا والمرضى يتألمون ولا يجدون علاجا.

 

قد يؤثر انسانيا في قلوب البعض بما يخلق جو من التعاطف مع المحاصرين فيضغطون على زعماء قريش لفك الحصار ورفع المعاناة عنهم، وأيضا لماذا كان بند النهي عن البيع والشراء منهم، لأن البيع والشراء يمثلان العنصرين الاساسين في تبادل المنافع في الحياة الاقتصادية ، وهما شريان الحياة ، والطرف الأقوى في البيع والشراء هو الذي يتحكم في القرار السياسي والاقتصادي والعسكري الخاص به وكذلك التحكم في الخصم والضغط عليه والسعي لاستسلامه لشروطه، وكان من بنود المعاهدة التي تزيد المعاناة الاقتصادية انهم منعوا المسلمين من التعامل مع التجار القادمين من خارج مكة، كما كانوا يغالون في الاسعار على المسلمين حتى لايستطيعون شراء ضرورياتهم، كما يتصل بهذا بند آخر وهو البند الذي ينص لا يدعوا شيئا من اسباب الرزق يصل اليهم ويهدف الى تفويت الفرصة على مَن يحاول الاحتيال بإهداء الطعام لهم بدلا من البيع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى