مقال

الدكرورى يكتب عن الحفاظ علي الوطن ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكرورى يكتب عن الحفاظ علي الوطن ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

فقال الله تعالى فى سورة الأعراف ” ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها” واجتمعت كلمة أنبياء الله تعالى عليهم السلام لأقوامهم على قولهم كما قال تعالى فى سورة البقرة ” ولا تعثوا فى الأرض مفسدين” وإن الصلاح مختص في أكثر الاستعمال بالأفعال، وقوبل في القران تارة بالفساد وتارة بالسيئة، فقال تعالى فى سورة التوبة ” خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا” وقال تعالى أيضا فى سورة الأعراف ” ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها” والصلاح هنا يراد به أن يكون الإنسان صالحا في ذاته، قد بدأ بنفسه فطهرها وهذبها وأقامها على الصراط فأصبحت نفسا طيبة صالحة، ويقول الإمام الغزالي رحمه الله “فحق على كل مسلم أن يبدأ بنفسه فيصلحها بالمواظبة على الفرائض وترك المحرمات” ويقول الإمام الغزالي رحمه الله بعدما وضح واجب المسلم تجاه نفسه بتهذيبها، شرع في بيان معنى الإصلاح فقال ثم يعلم ذلك أي الذي قام بتهذيب نفسه وصلاحه ثم أهل بيته.

 

ويتعدى بعد الفراغ منهم إلى جيرانه ثم إلى أهل محلته ثم إلى أهل بلده ثم إلى أهل السواد المكثف، ثم إلى أهل البوادي من الأكراد والعرب وغيرهم” وبتوافر عنصري الصلاح في النفس والإصلاح للنفس يتحقق للإنسان اكتمال فضيلة أخلاقية قرآنية ذات شقتين، يكمل احدهما الأخرى وهي الصلاح والإصلاح، والعلاقة بين الصلاح والإصلاح أكيدة ولا ينفكان عن بعضهما البعض، وإلا فما الفائدة من الصالحين؟ فالإصلاح قوام بقاء المجتمع وخيريته، لكن لا تنفك علاقته عن الصلاح، فلا صلاح بدون إصلاح، ولا إصلاح بدون صلاح، فقال تعالى فى سورة الرعد ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” وقد ورد في الأثر روى سفيان بن عيينة عن سفيان بن سعيد عن مسعر قال “بلعنى أن ملكا أمر أن يخسف بقرية، فقال يا رب فيها فلان العابد، فأوحى الله إليه أن به فابدأ، فإنه لم يتمعر وجهه ساعة قط” وقال مالك بن دينار إن الله عز وجل “أمر بقرية أن تعذب، فضجت الملائكة.

 

وقالت إن فيهم عبدك فلانا، قال اسمعونى ضجيجه، فإن وجهه لم يتمعر غضبا لمحارمى” أى هو صالح في نفسه لكنه ليس مصلحا، فان الأمم المنتصرة على أعدائها، أمم حققت نصرا داخليا أولا، وحقق كل واحد من أبنائها نصرا على الصعيد الشخصي من خلال تغييره ما في نفسه، وإن الاهتمام بإصلاح الدنيا من شيمة المؤمن، فقال تعالى فى سورة الأنبياء ” ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون” وإن مهمة الصالحين هي العناية بالأرض والعمل على استقامة الحياة البشرية وأن يكون زمامها بيد الصالحين المصلحين، وكما يكونون ورثة الفردوس في الآخرة، لابد وأن يكونوا ورثة الأرض، فهل من الممكن أن يكونوا وارثين مكفوفي الأيدي؟ لا طبعا، وإن الصلاح والإصلاح هو ضد الفساد ونقيضه، وهي مصطلحات شرعية ربانية، أوردها الله تعالى في كتابه المحكم العزيز، وجاءت في القرآن على نحو كبير.

 

يربو على السبعين بعد المائة من آيات القرآن الكريم، وإن واقع المسلمين اليوم يُنبئ عن وجود حاجة وضرورة ماسة وملحة إلى الإصلاح الشامل، حيث تتجاذب الاتجاهات والأفكار، وغيرها إلى ميدان الإصلاح، وكل اتجاه يحسب أنه المصلح لهذه الأمة حتي تاهت الأمة، وضاعت معالمها، ولكي نصلح من حال أمتنا لابد من التعرف على منهج الأنبياء والرسل في الإصلاح في ضوء القرآن الكريم، وإذا أردنا النهوض بأمتنا إلى بر الأمان وإنقاذها مما هي فيه من الهوان فعلينا أن نستوعب منهج الأنبياء والرسل في الإصلاح، وكيف دعوا أقوامهم إلى الفلاح بعد أن كانوا مختلفين وعن الحقيقة متفرقين، أي كانوا أمة واحدة فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، فقال ابن عباس رضى الله عنهما “كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين” وقال تعالى تعالى فى سورة النساء ” رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما”

 

لذا كان منهج الأنبياء يتثمل في تحقيق التوحيد الخالص لكي يتحقق وعد الله بالاستخلاف في الأرض، والتمكين ونشر الأمن بعد الخوف، لابد من تحقيق التوحيد الخالص، ولقد بعث الله الأنبياء لمهمة واحدة، هي عبادة الله وحده لا شريك له كما جاء في كتاب الله تعالى، وأما التوحيد الذي آمن به المشركون ولم يدخلهم في الإسلام فهو توحيد الربوبية، أي توحيد الله بأفعاله وأفعال الله هي الخلق والرزق وتدبير الأمور والإحياء والإماتة وهذا التوحيد لا يدخل به المرء في الإسلام، ولا ينفعه يوم القيامة، إلا إذا آمن بتوحيد الأنبياء لأن مشركي العرب كانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية، وإن من الإصلاح هو إصلاح الأوضاع الفاسدة، حيث يتمثل إصلاح الأوضاع القائمة في مرحلتين مستقلتين عن بعضهما، فالمرحلة الأولى وهى الإصلاح قبل التمكين فبعد أن دعا أنبياء الله تعالى إلى التوحيد الخالص، قاموا بإصلاح ما أفسده الناس في جميع شؤون الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى