مقال

الدكروري يكتب عن الحب بين البشر “جزء 3”

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الحب بين البشر “جزء 3”

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فإننا إذا أردنا أن نعيد الأمة إلى طريقها الذي أضلته، وتاريخها الذي تنكبته، ومجدها الذي فقدته، وعزها السليب ومجدها التليد، فلابد أن نعيد النظر فيمن نعرضهم كقدوات لأبناء وبنات هذا الجيل، فإن اتخاذ السفهاء قدوة لا ينتج عنه إلا سفهاء مثلهم، ومن عاشر الفحول تفحل، ومن صحب أهل الجد جد، ومن اقتدى بأهل الهمم علت همته، فإن أعظم سعادة للرجل المفكر هو أن يفهم ما يستطيع أن يفهمه ويتقبل باحترام ما لم يستطع أن يفهمه، وإن احترم غيرك احتراما لإنسانيته، أيا كان سنه وأيا كان مركزه ووضعه في المجتمع، فهو مثلك إنسان، وإنني أكن الاحترام لكل من خالفني كما أكنه لمن لكل من وافقني وأقدر حتى أولئك الذين يشتدون أو يقسون، وما أعرفه هو أن الفعل الأخلاقي هو الذي تحس بعده بالراحة وغير الأخلاقي هو ما تحس بعده بعدم الراحة، وهناك شيئان ما انفكا يثيران في نفسي الاعجاب والاحترام، السماء ذات النجوم من فوقي.

 

وسمو الأخلاق في نفسي، وإِن الإسلام كما أنه حريص على صلاح ظاهر المسلم وخلقه وعمله، وبيان أن المسلم الصحيح “من سلم المسلمون من لسانه ويده” فكذلك هو حريص على أَن يبقى قلب المسلم نقيل سليما من جميع الضغائن، وأن يكون صافيا لكل المؤمنين السابقين والحاضرين واللاحقين، ومن ثم جعل الشارع الكريم من علامات الإيمان، هو دعاء المسلم واستغفاره للذين سبقوه والذين يلحقونه إلى يوم القيامة، ولقد جعل الله تعالى للمؤمن وسائل وأسبابا تعينه على تنقية قلبه، فمن ذلك الدعاء، فهذا باب من أوسع الأبواب لتحصيل المراد، وقد قال تعالى فى سورة غافر “وقال ربكم ادعوني أستجب لكم” وقد كثرت أدعية النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال ربه سلامة قلبه ونظافته وطهارته، كما صح عنه أنه كان يدعو ويقول “وأسألك قلبا سليما، وأسألك قلبا خاشعا” ويستعيذ به من قلب لا يخشع، وكذلك دوام مراقبة القلب وذلك بمراقبة أحواله.

 

والعلم بأنه محط نظر الرب سبحانه، وأيضا تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب، فيقول ابن القيم رحمه الله تعالى”إن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة وبينهما من التفاضل ما بين السماء والأرض، وتفاضل الأعمال عند الله تعالى بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها، وإن من أصلح سره أصلح الله علانيته، وهي وصية كان العلماء يوصي بعضهم بعضا بها؛ كما جاء عن سفيان الثوري، وابن عون، ومعقل بن عبيد الله الجزري أنهم قالوا “كان العلماء إذا التقوا تواصوا بهذه الكلمات، وإذا غابوا كتب بعضهم إلى بعض أنه من أصلح سريرته أصلح علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن اهتم بأمر آخرته كفاه الله أمر دنياه” فانظروا رحمكم الله إلى ظواهركم فأصلحوها، وإلى بواطنكم فطهروها، واحذروا من جميع آفات القول والعمل.

 

وأمراض القلب والنية، واصدقوا مع الله يصدقكم الله وتفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة، إنما أنت أيام، فإذا مضى يوم مضى بعضك” فهكذا قالت رابعة لسفيان، وقد قال بعض الشعراء، إذا كان رأس المال عمرك فاحترز عليه من الإنفاق في غير واجب، ويؤكد شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله إن العبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع فإنه تعظم محبته له، ومنفعته به، ويتم دينه، ويكمل إسلامه، ولذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه، ومن أكثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والأدب من كلام حكماء فارس والروم لا تبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع.

 

ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام، ونظير هذا كثير ولهذا عظمت الشريعة النكير على من أحدث البدع، وكرهتها، لأن البدع لو خرج الرجل منها كفافا لا عليه ولا له لكان الأمر خفيفا، بل لابد أن يوجب له فساد منه نقص منفعة الشريعة في حقه، إذ القلب لا يتسع للعوض والمعوض عنه، وخلاصة الكلام ما قاله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه “إن الله خلق الأيدي لتعمل فإذا لم تجد في الطاعة عملا التمست في المعصية أعمالا، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك في المعصية” وإن الشريعة تحث على هذه الخصلة الجميلة، فيقول النبى صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عمر”لا يتناجى اثنان دون صاحبهما، لماذا؟ فإن ذلك يحزنه” وقال أبو صالح فقلت لابن عمر فأربعة؟ قال لا يضرك، فمراعاة لمشاعره أو أنه يتوجس خوفا منهم ماذا يريدون؟ لعلهم يتآمرون عليه خاصة إذا كانوا في معزل من الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى