مقال

الدكروري يكتب عن يا سارية الجبل

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن يا سارية الجبل

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من أهم المهمات في حياة كل مسلم هو أن يهتم بإصلاح قلبه، والعناية بنفسه حتى يقدم على ربه عز وجل، بقلب سليم وعمل صالح رشيد، لاسيما ونحن نعيش زمانا قد كثرت فيه الفتن، وتعددت فيه الشبهات والشهوات، لأن القلب هو محرك الجوارح وموجهها، وهو أكثر الجوارح تأثرا، وإن من أسباب السعادة هو دوام ذكر الله تعالي على كل حال، فبذكر الله عز وجل تطمئن القلوب، وتورث الغفلة ألوانا من الضيق والعذاب، وهي طريق إلى موت القلوب، فكذلك الشجاعة تورث السعادة، فالشجاع منشرح الصدر، واسع البطان، متسع القلب، والجبان أضيق الناس صدرا وأحصرهم قلبا وإن لذة الحياة وجمالها وقمة السعادة وكمالها لا تكون إلا في طاعة الله، ومهما ابتغيت السعادة بغير ذلك فهي وهم زائف، وما أهون الحياة الدنيا على الله وقد حكم على متاعها بالقلة مهما تكاثر أو تطاول في أعين الجاهلية “قل متاع الدنيا قليل”

 

وحذارى أن تغرك سعادة لحظة عن السعادة الأبدية، أو تفتن بلذة عاجلة تعقبها ندامة آجلة، احذر أن تكون في حضيض طبعك محبوسا، وقلبك عما خلق له مصدودا منكوسا، حذار أن ترعى مع الهمل، أو تستطيب لقيعات الراحة والبطالة، وتستلين فراش العجز والكسل، فتبصر حين تبصر وإذا بجياد الآخرين قد استقرت في منازلها العالية وأنت دون ذلك بمراحل وتود الرجعة لتعوض ما فات ولكن هيهات، فكيف ترجو السعادة وتأمل النجاة ولم تسلك مسالكها، ويا سارية الجبل وهي حادثة مشهورة وقعت لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث ترتبط هذه الحادثة أو القصة بشخصيتين من شخصيات المسلمين الأوائل وهما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب العدوي القرشي، أبو حفص، ثاني الخلفاء الراشدين، وسراج أهل الجنة، وسارية بن زُنيم بن عبدالله الدؤلي، وهو أحد فرسان الإسلام، وقائد جيوش المسلمين في فتوحات فارس سنة ثلاث وعشرون من الهجرة.

 

وملخص الحادثة كما رواها أسلم ويعقوب ونافع مولى ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين، أن سارية بن زنيم، كان يقاتل المشركين على أبواب نهاوند في بلاد الفرس، وقد كثرت عليه الأعداء، وفي نفس اليوم كان عمر بن الخطاب يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، فإذا بعمر رضي الله عنه ينادي بأعلى صوته في أثناء خطبته ياسارية الجبل، ياسارية الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم، فالتفت الناس وقالوا لعمر بن الخطاب ماهذا الكلام ؟ فقال والله ماألقيت له بالا، شيء أتي به على لساني، ثم قالوا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان حاضرا ماهذا الذي يقوله أمير المؤمنين؟ وأين سارية منا الآن ؟ فقال ويحكم دعوا عمر فإنه مادخل في أمر إلا خرج منه، ثم مالبث أن تبين الحال فيما بعد حيث قدم سارية على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة فقال ياأمير المؤمنين كنا محاصري العدو.

 

وكنا نقيم الأيام، لايخرج علينا منهم أحد، نحن في منخفض من الأرض وهم في حصن عالي وهو الجبل فسمعت صائحا ينادي ياسارية بن زنيم الجبل، فعلوت بأصحابي الجبل، فما كانت إلا ساعة حتى فتح الله علينا، وهذه الحادثة دلالة واضحة على عناية الله تعالى بعباده المؤمنين المجاهدين، وعلى إكرامه للخليفة الراشد العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل ان رجل أقسم بأن لا يتزوج حتى يشاور مائة رجل، فأقسم وقال لن أتزوج حتى أشاور مائة رجل متزوج فشاور تسعة وتسعين وبقي عليه واحد فعزم أن أول من يلقاه في الغد يشاوره ويعمل برأيه، فلما أصبح وخرج من منزله لقي مجنونا راكبا قصبة فاغتم لذلك أي للعهد الذي قطعه على نفسه، ولم يجد بدا من الخروج من عهده فتقدم إليه فقال له المجنون احذر فرسي كي لا تضربك، فقال له الرجل “احبس فرسك حتى أسألك عن شيء” فأوقفه فقال “إني قد عاهدت الله تعالى أن أستشير مائة رجل متزوج.

 

وأنت تمام المائة وكنت عاهدت نفسي أن أشاور اليوم أول من يستقبلني وأنت أول من استقبلني فإني أريد أن أتزوج فكيف أتزوج ؟ فقال له المجنون النساء ثلاثة، واحدة لك، وواحدة عليك، وواحدة لا لك ولا عليك، ثم قال احذر الفرس كي لا تضربك ومضى، فقال الرجل إني لم أسأله عن تفسيره، فلحقه فقال يا هذا احبس فرسك فحبسها” فدنا منه وقال فسره لي فإني لم أفهم مقالتك، فقال، أما التي لك فهي المرأة البكر فقلبها وحبها لك ولا تعرف أحدا غيرك إن أحسنت إليها قالت هكذا الرجال وإن أسأت إليها، قالت هكذا الرجال، وأما التي عليك فالثيب ذات الولد تأخذ منك وتعطي ولدها وتأكل مالك وتبكي على الزوج الأول، أما التي لا لك ولا عليك فالثيب التي لا ولد لها إن أحسنت إليها قالت هذا خير من ذاك، وإن أسأت إليها قالت ذاك خير من هذا، فإن كنت خيرا لها من الأول فهي لك وإلا فعليك، ثم مضى فلحقه الرجل.

 

فقال له ويحك تكلمت بكلام الحكماء وعملت عمل المجانين، فقال يا هذا إن قومي أرادوا أن يجعلوني قاضيا فأبيت فألحوا علي فجعلت نفسي مجنونا حتى نجوت منهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى