مقال

الدكروري يكتب عن الإستعداد ليوم الرحيل 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإستعداد ليوم الرحيل

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

إن من آثار المحبة الإلهية ومظاهرها هو ما يكون من قبل الناس تجاه العبد المحبوب من ربه تعالى، وله مظهر واحد يظهر فيه هو أن يكون محبوبا للملائكة وصالحي بني آدم، فإن من علامات محبة الله تعالى لعبده أن يضع له القبول والمحبة في أهل السماء وأهل الأرض فيكرمونه وترتفع منزلته عندهم، كما صنع الله تعالى بموسى عليه السلام حيث جعل عدوه يحبه، فقال تعالى ممتنا عليه ” وألقيت عليك محبة مني” وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال إني أحب فلانا فأحبه، قال فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه قال فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الأرض.

 

وفي صحيح مسلم أن سهيل بن أبي صالح قال كنا بعرفة فمر عمر بن عبد العزيز وهو على الموسم فقام الناس ينظرون إليه، فقلت لأبي يا أبتي إني أرى الله يحب عمر بن عبد العزيز، قال وما ذاك؟ قلت لما له من الحب في قلوب الناس، فقال بأبيك أنت سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، ثم ذكر هذا الحديث، وإن الخوف من الله شجرة طيبة إذا نبت أصلها في القلب، امتدت فروعها إلى الجوارح، فآتت أكلها بإذن ربها، وأثمرت عملا صالحا وقولا حسنا وسلوكا قويما وفعلا كريما، فتخشع الجوارح وينكسر الفؤاد، ويرق القلب وتزكو النفس وتجود العين،

فيا أيها المسلمون اعلموا أن الدنيا ليست بدار بقاء ولا خلود وإنما أنتم عما قليل منها تظعنون وما هي إلا أيام وعنها ترحلون ثم أنتم بين يدي ربكم تحاسبون فماذا أنتم يومئذ قائلون إذا أبدت لكم الصحف العيوب وشهد عليكم السمع والأبصار والجلود.

 

ويقول الله قال تعالى ” واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون” وقال النبي صلى الله عليه و سلم قال” من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ” وقالت السيدة عائشة أو بعض أزواجه إنا لنكره الموت قال ليس ذاك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه كره لقاء الله وكره الله لقاءه ” رواه البخاري، وكان أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام يسألون ربهم هذا الأمر ويذكرونه ويحبونه، ففي أخبار نبي الله داود عليه السلام “إن الله تعالى قال يا داود أبلغ أهل أرضي أني حبيب لمن أحبني، وجليس لمن جالسني ومؤنس لمن أنس بذكري وصاحب لمن صاحبني، ومختار لمن اختارني، ومطيع لمن أطاعني، ما أحبني عبد أعلم ذلك يقينا من قلبه.

 

إلا قبلته لنفسي وأحببته حبا لا يتقدمه أحد من خلقي، ومن طلبني بالحق وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني، فارفضوا يا أهل الأرض ما أنتم عليه من غرورها، وهلموا إلى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي وائنسوا بي أؤانسكم وأسارع إلى محبتكم ، فإني خلقت طينة أحبائي من طينة إبراهيم خليلي وموسى نجيي ومحمد صفيي، وخلقت قلوب المشتاقين من نوري ونعمتها بجلالي” ولكن كيف يكون الاستعداد للقاء الله عز وجل ؟ وهو حب لقاء الله تعالى فإنه لا يتصور أن يحب القلب محبوبا إلا ويحب لقاءه ومشاهدته وأن يكون صابرا على المكاره، والصبر من آكد المنازل في طريق المحبة وألزمها للمحبين وأن يكون أنسه بالخلوة ومناجاة الله تعالى وتلاوة كتابه فيواظب على التهجد ويغتنم هدوء الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق، فإن أقل درجات التنعم بمناجاة الحبيب فمن كان النوم والاشتغال بالحديث ألذ عنده من مناجاة الليل فكيف تصح محبته؟

 

فإن المحب يتلذذ بخدمة محبوبه وتصرفه في طاعته وكلما كانت المحبة أقوى كانت لذة الطاعة والخدمة أكمل، وأن لا يؤثر عليه شيئا من المحبوبات، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، فقال عبد الله بن هشام كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه و سلم “لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه و سلم “الآن يا عمر” وأن يكونا لعبد مولعا بذكر الله تعالى، لا يفتر لسانه ولا يخلو عنه قلبه فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره بالضرورة ومن ذكر ما يتعلق به، فيحب عبادته وكلامه وذكره وطاعته وأولياءه ومحبة كلام الله عز وجل، فإذا أردت أن تعلم ما عندك وعند غيرك من محبة الله فانظر محبة القرآن من قلبك فإن من المعلوم أن من أحب محبوبا.

 

كان كلامه وحديثه أحب شيء إليه، وأن يتأسف على ما يفوته من طاعة الله وذكره، فترى أشد الأشياء عليه ضياع شيء من وقته فإذا فاته ورده وجد لفواته ألما أعظم من تألم الحريص على ماله من فوات ماله وسرقة ماله وضياع ماله، وبادر إلى قضائه في أقرب فرصة وإن الشوق إلى الله لذة لا يتلذذ بها إلا من عاش مع الله، وتلذذ بمعاني هذه الحياة مع الله وأصبح لا يجري في قلبه غير الله، يعيش حياة الملوك من عرف الله حتى لو كان لا يجد مأكله ومشربه وملبسه، حتى لو كان لا يجد ما يظله من لفح الشمس فظله ذاك الحب الذي خالط شغاف قلبه وسرى في عروقه، وحتى ولو كان ألم المرض يكسر عظامه ويفتت لحمه فقد خدر ذلك الحب جسده، فلم يعد يشعر بشيء غير الله، فيا ويل المقصرين إذا حلت سكرات الموت وتحشرجت النفوس في الصدور فيا من شغلتك الذنوب عن تذكر الموت فإن أهل الطاعات في تذكر دائم للموت جعلوه نصب أعينهم.

 

إذا أصبحوا نظروا إليه فتذكروه، وإذا قعدوا نظروا إليه فتذكروه فيا أيها المذنب أما لك في الجنائز عظة؟ ويا مشغولا بالذنوب وغافلا مع الشهوات أما رأيت موت الخلائق؟ أما وعظتك جنائز الراحلين ؟ فكم في ذلك من عظة لصاحب القلب السليم وكم في ذلك من عبرة لصاحب القلب الحي، فعظ نفسك أيها الغافل برحيل من سبقك وازجرها عن غيرها بعظة الموت فاتق الله أيها الغافل عن الله، وأعد لنفسك أعمالا صالحة تنجو بها يوم القيامة ” يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتي الله بفلب سليم” وعليك الاستعداد للقاء الله بالأعمال الصالحة، التي تقربك منه عز وجل، والحذر من الغفلة المهلكة، فإن الغفلة سبب في سوء الخاتمة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى