مقال

الدكروري يكتب عن أخلاق الحبيب المصطفي

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أخلاق الحبيب المصطفي
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد، وإن الخلق السوء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل، وهذا كلام واضح، كلام واضح كالشمس، فإذا أردت أن تسعد، وإذا أردت بحبوحة الله عز وجل، وإذا أردت أن تسلم فعليك بسُنة النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد كان ميلاد النبي الكريم الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم هو أجمل يوم جاء على البشرية جمعاء، وعلينا جميعا شكر هذه النعمة، كما علينا طاعته صلى الله عليه وسلم فهو أسوة لكل المسلمين، وبكرامته وعلو منزلته عند الله سبحانه وتعالى كنا خير أمة أخرجت للناس، وبرسالته خُتمت الأديان، فكان كل همه صلى الله عليه وسلم أن يدعو الناس إلى الهداية، وكان صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة للعالمين، فكان في شهر ربيع الأول قد أشرق النور وبزغ الفجر وولد خير البشر رسولنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، فإنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي زكى الله به نفوس المؤمنين.

وطهّر به قلوب المسلمين، وجعله رحمة للعالمين، وحجة على الخلائق أجمعين، ولقد كانت ولادته فتحا، وبعثته فجرا، هدى الله به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وأرشد به من الغواية، وفتح الله به أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غُلفا، وكثر به بعد القلة، وأعز به بعد الذلة، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خليل الرحمن، وصفوة الأنام، لا طاعة لله إلا بطاعته، فقال تعالى فى سورة النساء ” من يطع الرسول فقد أطاع الله” ولا يتم الإيمان إلا بتحقيق محبته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين” فكان صلى الله عليه وسلم أعلى الخلق أخلاقا، وأعظمهم أمانة، وأصدقهم حديثا، وأجودهم نفسا، وأسخاهم يدا، وأشدهم صبرا، وأعظمهم عفوا، صلى الله عليه وسلم، وإن النجاح كل النجاح، والفلاح كل الفلاح، والفوز كل الفوز، والسعادة كل السعادة باتصال النفس بربها عز وجل.

فإن هذا الاتصال يحقق الطهارة النفسية، والاصطباغ بمكارم الأخلاق، فهل تدرون من هو المفلس؟ إنه هو الذي يأتي بصلاة وصيام وصدقة ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأكل مال هذا، يعطى هذا من حسناته، وهذا من حسـناته، فإذا فنيت حسنات طرحوا عليه سيئاتهم حتى يطرح في النار، ولقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن ” من أحب عباد الله إلى الله تعالى؟ قال أحسنهم أخلاقا، وإن أكملهم إيمانا أحسنهم خلقا، وأن خير ما أعطي الرجل المؤمن خُلق حسن، وأنه ما من شيء أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وأن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم” فمن أراد السعادة اتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة، ولقد كان النبى صلى الله عليه وسلم كثير التواضع، وافر الأدب، يبدأ الناس بالسلام، ينصرف بكله إلى محدثه صغيرا كان أو كبيرا.

ويكون آخر من يسحب يده إذا صافح، إذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين، وإذا جلس جلس حيث ينتهي به المجلس، ولم يُرى مادا رجليه قط، ولم يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته، وقد ورد في السنة أنه صلى الله عليه وسلم ” برئ من الكبر من حمل حاجته بيده، ومن أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق، وبرئ من الشح من أدى زكاة ماله صلى الله عليه وسلم” فإن من أدى زكاة ماله لا يجوز أن تقول عنه شحيح، وإن من حمل حاجته بيده لا يجوز أن تقول عنه متكبر، ومن أكثر من ذكر الله لا يجوز أن تقول عنه منافق، وإذا جلس جلس حيث ينتهي به المجلس، لم يُرى مادا رجليه قط، سيد الخلق لم يُرى مادا رجليه قط، أيعقل أن يجلس إنسان صحيح معافى في مجلس ويمد رجليه؟ فإن سيد الخلق أمام أصحابه ما مد رجليه قط، إلا إذا كان معذورا، ولم يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته، أو حاجة صاحب أو جار، فكان يذهب إلى السوق.

ويحمل بضاعته ويقول ” أنا أولى بحملها ” وكان يجيب دعوة الحُر والعبد والمسكين، ويقبل عذر المعتذر، عامة المسلمين إذا الداعي غني، لمجرد أن يدعوهم كانوا عنده في الوقت المحدد، أما إذا الداعي فقير فإنهم يعتذرون، بقوله مشغول، وبشتى الأعذار، فالنبي صلى الله عليه وسلم على عظم قدره كان يجيب دعوة الحُرّ والعبد والمسكين، ويقبل عذر المعتذر، وكان يرفو ثوبه، ويخصف نعله، ويكنس داره، ويخدم نفسه، ويعقل بعيره، وكان في مهنة أهله، وكان يأكل مع الخادم، ويقضي حاجة الضعيف والبائس، وكان يمشي هونا خافض الطرف، متواصل الأحزان، دائم الفكرة، لا ينطق من غير حاجة، طويل السكوت، إذا تكلم تكلم بجوامع الكَلم، كان دمثا ليس بالجاحد، ولا المهين، يعظم النعم وإن دقت، ولا يذم منها شيئا، ولا يذم مذاقا، ما عاب طعاما قط، ولا يمدحه، لا يمدح ولا يعيب، ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان منها، ولا يغضب لنفسه.

ولا ينتصر لها، إذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، وكان يؤلف ولا يفرق، يجمع الناس لا يفرقهم بالغيبة والنميمة، فكان يؤلف ولا يفرق، يقرب ولا ينفر، يكرم كريم كل قوم ويوله عليهم، يتفقد أصحابه، يسأل الناس عما في الناس، يحسن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويوهنه، لا يقصر عن حق ولا يجاوزه، ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو ما يسره من القول، كان دائم البشر، سهل الخلق، ليِّن الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب، ولا فحاش، ولا عياب، ولا مزاح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يخيب فيه مؤملا، وكان لا يذم أحدا ولا يُعيره، ولا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه، يضحك مما يضحك منه أصحابه، ويتعجب مما يتعجبون، ويصبر على الغريب وجفوته في مسألته ومنطقه، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه، فقال تعالى ” وإنك لعلى خلق عظيم” صلى الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى