مقال

الدكروري يكتب عن والكاظمين الغيظ

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن والكاظمين الغيظ

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

ونحن نعيش في هذه الأيام المليئة بالفتن يجب علي كل إنسان أن يسأل الله عز وجل الثبات على الدين وأن يدعوه جل وعلا أن يجعله ممن يلزم طاعته وتقواه، وأن يستعيذ الإنسان بالله تعالي أن يرده على عقبيه فيترك الخير وينقطع عنه، ويفعل الشر وتميل إليه نفسه، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال ولا تأمن لرجل أن يكون على خير فيرجع إِلى شر فيموت بشر، ولا تيئس من رجل يكون على شر فيرجع إلى خير، فيموت بخير، ولهذا يجب أن نحاسب أنفسنا، فيجب أن نحاسب أنفسنا على التفريط في جنب الله تعالي وندعو ربنا أن يثبتنا على فعل الخير حتى الممات، وإن كظم الغيظ هى خصلة عظيمة من خصال الدين الرفيعة العلية وخلة مباركة جاء التنويه بها والحث عليها والترغيب في فعلها وذكر عظيم ثواب أهلها وجزيل أجورهم عند الله تبارك وتعالى وكظم الغيظ ، هوالعفو عن المسيء والصفح عنه والتجاوز عن إساءته.

 

ألا ما أعظمها من خصلة وأجلها من خلة، لكن لا تنهض لفعلها إلا القلوب الصادقة والنفوس الكبيرة المعانة من الله تبارك وتعالى بالتسديد والتوفيق وقال الله سبحانه وتعالى ” وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” ولنعلم جميعا أن الناس يجتمعون على الرفق واللين، ولا يجتمعون على الشدة والعنف فلا يمكن أن يجتمع الناس إلا على أساس الرحمة والرفق وعلى كل مسلم مأمور أن يتخلق بالأخلاق العالية الفاضلة، ويعلم أنه منهي عن تعاطي كل خلق مذموم، فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسأله عن شيء ينفعه في دينه، فقال له النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “لا يغضب” وكررها ثلاثا فلقد طلب هذا الرجل من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن يوصيه وصية موجزة جامعة لخصال الخير، ليحفظها عنه.

 

خشية أن لا يحفظها لكثرتها، ووصاه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن لا يغضب، ثم ردد هذه المسألة ثلاثا، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يردد عليه هذا الجوب فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرز منه جماع الخير، وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يأمر من غضب أن يدفع عنه الغضب بكل وسيلة، فقد ينشأ عن ذلك كثير من الأفعال المحرمة، كالقذف والسب، والفحش، ونحو ذلك، كالأيمان التي لا يجوز التزامها في الشرع، وكطلاق الزوجة الذي يعقبه الندم، فالواجب على المؤمن أن يتقي ربه، وأن يكون غضبه دفعا للأذى في الدين له، أو لغيره، وانتقاما، وكانت هذه حال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه كان لا ينتقم لنفسه، ولكن إذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء ولم يضرب بيده خادما ولا امرأة إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولقد خدمة أنس بن مالك رضي الله عنه عشر سنين، فما قال له أف قط.

 

ولا قال له لشيء فعله لم فعلت كذا؟ ولا لشيء لم يفعله ألا فعلت كذا؟ وهذا أبو مسعود البدري رضي الله عنه، قال كنت أضرب غلاما لي بالسوط، فسمعت صوتا من خلفي يقول “اعلم أبا مسعود” فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني، إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقول “اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود” قال فألقيت السوط من يدي، فقال “اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام” قال فقلت لا أضرب مملوكا بعده أبدا” رواه مسلم، وإن العفو والصفح باب عظيم من أبواب الإحسان، وهو باب عظيم من أبواب نيل الرحمة والغفران وهو باب لنيل عظيم الأجور وجزيل الثواب وأهل العفو هم الأقرب لتحقيق تقوى الله عز وجل وإن العفو والصفح مقام عظيم ومنزلة رفيعة وهو صفة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وصفة أتباعه بإحسان، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله إذا جاءك شخص يشكو آخر فقل له اعفو عنه

 

فإن العفو أقرب لتقوى الله جل وعلا، فإن قال لك إن قلبي لا يحتمل العفو عنه ولكن أريد أن أنتصر منه كما أمر الله، فقل له إن كنت تحسن أن تنتصر، أي كما أمر الله، وإلا فعليك بالعفو فإنه باب واسع، وهذا تنبيه جليل لأن كثير من الناس في مقام الانتقام ممن أساء إليه لا يقتصر على سيئة مثل السيئة التي نيل منه بها، بل يتجاوز ويتعدى ويظلم وحقيقة كظم الغيظ هي حبسه ورده في الجوف، مع القدرة على الإيقاع بالمعتدي، فقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “ومن كظم غيظا، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة” وسئلت السيده عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فقالت “كان خلقه القرآن” يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه وكان صلى الله عليه وسلم لشدة حيائه لا يواجه أحدا بما يكره، بل تعرف الكراهة في وجهه وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى أو سمع ما يكرهه الله، قام فغضب لذلك، وقال فيه ولم يسكت.

 

 

 

وتأمل في قوله تعالى كما جاء فى سورة البقرة “وما تفعلوا من خير يعلمه الله” فهي تبعث في نفس العبد راحة وفي قلبه طمأنينة، ذلك أن المحسن إلى الخلق المخلص في ذلك لا ينتظر تقديرا ولا ثناء من الخلق، فإنه متى فعل الخير وأيقن بأن ربه يعلمه علما يثيب عليه هان عليه ما يجده من جحود نكران بعض الناس، للجميل الذى أسداه والمعروف الذى صنعه، فاعلم يا باغي الخير أن مفهوم الخير واسع وليس محصورا، فهو اسم شامل لكل ما ينتفع به المرء عاجلا أو آجلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى