مقال

الدكروري يكتب عن النصر الأعظم وفتح مكة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن النصر الأعظم وفتح مكة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد بين النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فى سنته النبويه الشريفه أنواع الجهاد بمفهومه الشامل فقال ” ما من نبي بعثه الله تعالى في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ” والمراد بجهاد القلب هنا هو بغضهم وبغض حالهم التي هي عقيدة الولاء والبراء، وبدونها لا يصير الإنسان مؤمنا، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم، فعل القلب هذا جهادا، كما سمى فعل اللسان جهادا، ومن باب أولى أن يسمى فعل اليد جهادا، فعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال ” جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال أجاهد؟ قال ” ألك أبوان ” قال نعم، قال ” ففيهما فجاهد” وأمثلة هذا من السنة النبويه كثيرة.

 

ويسمى فيها بعض الأعمال الصالحة أو يجعلها بمنزلة الجهاد، كقوله صلى الله عليه وسلم ” الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله” وهكذا يتضح لنا مدى اتساع دائرة الجهاد مرتبطة بمجالات الحياة كلها، وهكذا حتى عندما يكون هناك قتال صحيح مع العدو، فإن جهاد كل واحد بحسبه، فالطبيب بخبرته الطبية، وأهل الإغاثة بإغاثتهم، وأهل الإعلام بإعلامهم، وأهل الأموال بأموالهم، ويبقى بقية في البلد يقومون بشؤونها ويخلفون المجاهدين في أهليهم بالخير والرعاية والحراسة، لتستمر عجلة الحياة في الدوران،وأما عن يوم النصر وفتح مكة، فكان هذا النصر والفتح المبين الذي سعد به أهل السماء، كما سعد به أهل الأرض، ودخل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فاتحا مكة، وبعدها، دانت له جزيرة العرب، لكن أين كان قلب النبي صلي الله عليه وسلم، وهو داخل وسط كتيبته، المدججة بالسلاح، والقول قوله، والكلمة كلمته، فلقد كان الله عز وجل.

 

قد وعد رسوله صلى الله عليه وسلم وهو صادق الوعد، أنه إذا فتح مكة دخل الناس في دينه أفواجا، ودانت له العرب بأسرها، فلما تم له الفتح المبين اقتضت حكمته تعالى أن أمسك قلوب هوازن ومن تبعها عن الإسلام، وأن يجمعوا ويتألبوا لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ليظهر أمر الله وتمام إعزازه لرسوله صلى الله عليه وسلم ونصره لدينه، ولتكون غنائمهم شكرانا لأهل الفتح، وليظهر الله سبحانه وتعالى رسوله وعباده، وقهره لهذه الشوكة العظيمة التي لم يلق المسلمون مثلها، فلا يقاومهم بعد أحد من العرب، ولغير ذلك من الحكم الباهرة التي تلوح للمتأملين، وتبدو للمتوسمين، واقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن أذاق المسلمين أولا مرارة الهزيمة والكسرة مع كثرة عددهم وعددهم، وقوة شوكتهم ليطامن رءوسا رفعت بالفتح، ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا رأسه منحنيا على فرسه.

 

حتى إن ذقنه تكاد تمس سرجه تواضعا لربه وخضوعا لعظمته، واستكانة لعزته، أن أحل له حرمه وبلده، ولم يحل لأحد قبله ولا لأحد بعده، وليبين سبحانه لمن قال “لن نغلب اليوم عن قلة” أن النصر إنما هو من عنده، وأنه من ينصره فلا غالب له، ومن يخذله فلا ناصر له غيره، وأنه سبحانه هو الذي تولى نصر رسوله ودينه، لا كثرتكم التي أعجبتكم، فإنها لم تغن عنكم شيئا، فوليتم مدبرين، فلما انكسرت قلوبهم أرسلت إليها خلع الجبر مع بريد النصر” ولقد شهد الله سبحانه وتعالى له بالأخلاق العظيمة في كل الأمور في حياته صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى “وإنك لعلى خلق عظيم” من أجل ذلك ارتضاه الله تعالى للبشرية كلها بأنه القدوة الحسنة، والأسوة الطيبة في كل ما يصدر عنه من أقوال وأفعال، وهذه الخاصة كانت من أعظم الأدلة على صدقه فيما جاء به، إذ قد جاهر بالأمر وهو مؤتمر، وبالنهي وهو منته، وبالوعظ وهو متعظ، وبالتخويف وهو أول الخائفين.

 

وحقيقة ذلك كله جعله الشريعة المنزلة عليه حجة حاكمة عليه، ودلالة له على الصراط المستقيم الذى سار عليه صلى الله عليه وسلم، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر على طريق يوما ثم نزل من فوق ظهر ناقته، وصلى ركعتين، فصنع ابن عمر ذلك إذا جمعه السفر بنفس البقعة والمكان، فسئل عن ذلك فقال رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ففعلت، بل إنه ليذكر أن ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم دارت به دورتين في هذا المكان بمكة، قبل أن ينزل الرسول صلى الله عليه وسلم من فوق ظهرها، ويصلي ركعتين، وقد تكون الناقة فعلت ذلك تلقائيا لتهيئ لنفسها مناخها، لكن عبدالله بن عمر لا يكاد يبلغ هذا المكان يوما حتى يدور بناقته، ثم ينيخها، ثم يصلي ركعتين لله تماما كما رأى المشهد من قبل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى