مقال

الدكروري يكتب عن أهمية القيم في بناء المجتمعات والأمم

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أهمية القيم في بناء المجتمعات والأمم

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إنه لا شك أن للقيم أهمية في بناء المجتمعات والأمم، وأي أمة تتنازل عن قيمها وأخلاقياتها لا تستمر ولا تدوم، وإذا دامت فترة لا يكتب لها الخلود، فالمجتمع الملتزم بالقيم مجتمع يجمع بين الرقي والأمان، والاحترام والتقدير، ولذا كانت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم البشير واضحة في إعلاء وإعلان القيم الفاضلة في كل معاملة وسلوك، بل رتبت الشريعة الإسلامية الأخلاق كنتيجة طبيعية للعبادات والتشريعات، وها هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يختصر رسالته في قوله صلى الله عليه وسلم ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” وكما يقول الشاعر وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن همُو ذهبت أخلاقهم ذهبوا، ومن بين القيم والأخلاقيات التي تعمل على بناء الأوطان هى المساواة والعدالة والحرية والشورى والشهادة في سبيل الدين والوطن، ومن عوامل بناء الأوطان قوة العلم والتعليم فلا يمكن الله تعالى لأمة الجهل.

 

ولذا كانت أول كلمات الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم اقرأ، وكان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم عمليا بالعلم حين جعل افتداء الأسرى يوم بدر بتعليم عشرة من أصحابه العلم وإزالة الأمية، وقد قال الله تعالى لنبيه ولنا من بعده “وقل رب زدنى علما” لأن العلم قوة وقوة عظمى، فلم لا نتوجه إلى العلم، ونصب اهتمامنا بإخراج جيل متميز وفائق علميا في مجالي الدين والدنيا معا لا سيما وأمم الأرض اليوم تتنافس على تبوء أعلى الأماكن علميا لأنهم أدركوا أن قيمة الدول حقيقة فيما تحسنه في باب الأبحاث والتقدم العلمي، فيقول القائل بالعلم والمال يبني الناس ملكهم، لم يبن ملك على جهل وإقلال، كفاني ثراء أنني غير جاهل، وأكثر أرباب الغنى اليوم جهال، وكذلك من عوامل بناء الأوطان هو إقامة العدل بين الناس ونبذ الظلم، ولقد قص علينا القرآن المجيد قصصا لأمم انكسرت وانهزمت واندثرت لما شاع ظلمها وكثر.

 

قال تعالى ” وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا” فبالعدل قامت السماء، وإنما قامت دولة الإسلام الأولى في رحاب المدينة المنورة يوم أن كان شعار قائدها “لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد، وهو رئيس الدولة وزعيمها يدها” عندما تساوى الناس وعادت الحقوق للمظلومين والمقهورين انتصرت الأمة وكتب لها القوة والتمكين، فقال صلى الله عليه وسلم ” لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع” رواه ابن ماجه، أي من غير أن يصيبه أذى يقلقه ويزعجه، وقد حدثنا التاريخ عن أنباء أمم ودول طغى فيها الظلم المادي والمعنوي، فاستحقت الاندثار والانهزام، وسنة الله تعالى في كونه لا تحابي أحدا، ومجرد نسبة الإنسان أو الأمة للرسول صلى الله عليه وسلم لا تعفيها من عقوبة ونتيجة الظلم، فمن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه، فاحرصوا على أن تكونوا أتباعا حقيقيّين لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فإن بحرصكم على بناء أمتكم كلها.

 

بلا قومية مهينة، أو عصبية مقيتة، تبحثون عن معالم عز هذه الأمة وتسعون إلى عملها وإيجادها في واقع حياة الأمة، رغبة في أن يحفظ الله أمتنا وأوطاننا، فيتخلى المغرور عن غروره، ويترك المتكبر كبره، ويعزل المساند للظلم نفسه عن مساندة أتباعه، فإن أمتك ووطنك بك لا بغيرك، ومن بين حكم الحكماء إن لم تزد على الدنيا شيئا فأنت زائد عليها، والراضي بالدون دنيء، فأحسِن عملك، وأتقن تخصصك، ونمّ مهاراتك، ووظف ما تجيده في خدمة وطنك وأمتك، فلقد خلق الله عز وجل الإنسان وكرمه وفضله على سائر الكائنات وأمره بعمارة الأرض وإقامة شرعة الله فيها وهذا الأمر يتطلب عدة عوامل لإقامة الأمم القوية الرشيدة المتينة المتقدمة في جميع مجالات الحياة وهذه العوامل تتمثل، فى العمل واستثمار الطاقات المعطلة مع تقديم الكفاءات، فالعمل والاستثمار أساس بناء الأمم، لذلك حث الإسلام على السعي والاستثمار والكسب من أجل الرزق وبناء الدول.

 

ويقرر الإسلام أن حياة الإيمان بدون عمل واستثمار هي عقيم كحياة شجر بلا ثمر، فهي حياة تثير المقت الكبير لدي واهب الحياة الذي يريدها خصبة منتجة كثيرة الثمرات، فيجب على المسلم أن يكون وحدة إنتاجية طالما هو على قيد الحياة، ما دام قادرا على العمل، بل إن قيام الساعة لا ينبغي أن يحول بينه وبين القيام بعمل منتج، وفي ذلك يدفعنا النبي صلى الله عليه وسلم دفعا إلى حقل العمل والاستثمار وعدم الركود والكسل فيقول “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر” رواه أحمد والبخاري، كما حث الإسلام على اتخاذ المهنة للكسب، مهما كانت دنيئة فهي خير من المسألة، لذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهتم بالعمل والاستثمار والترغيب فيه فيقول ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إلىّ من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري، وكان إذا رأي فتى أعجبه حاله سأل عنه؟

 

هل له من حرفة ؟ فإن قيل لا، سقط من عينيه، وكان إذا مدح بحضرته أحد سأل عنه هل له من عمل؟ فإن قيل نعم، قال إنه يستحق المدح، وإن قالوا لا، قال ليس بذاك، وكان يوصي الفقراء والأغنياء معا بأن يتعلموا المهنة ويقول تبريرا لذلك يوشك أن يحتاج أحدكم إلى مهنة، وإن كان من الأغنياء، وكان كلما مر برجل جالس في الشارع أمام بيته لا عمل له أخذه وضربه بالدرة وساقه إلى العمل والاستثمار، وهو يقول إن الله يكره الرجل الفارغ لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى