مقال

الدكروري يكتب عن الصراحة صابون القلوب

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الصراحة صابون القلوب

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

 

إن من أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته هو الإكثار من ذكر الله، فإن لذلك تأثيرا عجيبا في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال همه وغمه، فلذكر الله أثر عظيم في حصول أثرها بقدر الله تعالى، ويقول السعدي رحمه الله، أي حقيق بها وحري أن لا تطمئن لشيء سوى ذكره، فإنه لا شيء ألذ للقلوب ولا أشهى ولا أحلى من محبة خالقها، والأنس به ومعرفته، وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له، يكون ذكرها له، هذا على القول بأن ذكر الله، ذكر العبد لربه، من تسبيح وتهليل وتكبير وغير ذلك، ويقول عائض القرني رحمه الله، الصدق حبيب الله، والصراحة صابون القلوب، والتجربة برهان، والرائد لا يكذب أهله، ولم يوجد عمل أشرح للصدر وأعظم للأجر كالذكر “فاذكرونى أذكركم” وذكره سبحانه جنته في أرضه، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.

 

وهو إنقاذ للنفس من أوصابها وأتعابها واضطرابها، بل هو طريق ميسر مختصر إلى كل فوز وفلاح، وإن بذكر الله سبحانه وتعالى تنقشع سحب الخوف والفزع والهم والحزن، بذكره تزاح جبال الكرب والغم والأسى، وإن من أسباب السعادة هو طاعة الله تعالى، وامتثال أمره تعالى، وإن من أسس السعادة هى التي يجد فيها العبد لذة العبودية لله تعالى، وإن الطاعة لله تعالى تكون بامتثال أوامره و الانتهاء عن نواهيه، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة” أحمد، أي منتهى سعادته صلى الله عليه وسلم وغاية لذته في تلك العبادة التي يجد فيها راحة النفس واطمئنان القلب، فيفزع إليها إذا حزبه أمر أو أصابه ضيق أو أرهقه عمل، وينادي على بلال “أرحنا بها، أرحنا بها” وهذا النوع من لذائذ القلوب والنفوس.

 

ذاقه السالكون درب نبيهم والسائرون على هديه وسننه، فجاهدوا أنفسهم وثابروا معها وصابروها في ميدان الطاعة حتى ذاقوا حلاوتها، فلما ذاقوها طلبوا منها المزيد بزيادة الطاعة، فكلما ازدادت عبادتهم زادت لذتهم فاجتهدوا في العبادة ليزدادوا لذة إلى لذتهم، فمن سلك سبيلهم ذاق، ومن ذاق عرف، وقال بعض السلف إني لأفرح بالليل حين يقبل لما يلتذ به عيشي،وتقر به عيني من مناجاة من أحب، وخلوتي بخدمته، والتذلل بين يديه،وأغتم للفجر إذا طلع لما اشتغل به، وقال سفيان الثوري إني لأفرح بالليل إذا جاء، وإذا جاء النهار حزنت، ولقد بلغت لذة العبادة وحلاوتها ببعض ذائقيها، أن قال من شدة سروره لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه يعني من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف، إنها الجنة التي لما دخلها الداراني قال إن أهل الليل في ليلهم.

 

ألذ من أهل اللهو في لهوهم وإنه لتأتي على القلب أوقات يرقص فيها طربا من ذكر الله فأقول لو أن أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب” فقيل أن علي بن المأمون العباسي أمير وابن خليفة كان يسكن قصرا فخما، وعنده الدنيا مبذولة ميسرة، فأطل ذات يوم من شرفة القصر، فرأى عاملا يكدح طيلة النهار، فإذا أضحى النهار توضأ وصلى ركعتين على شاطئ دجلة، فإذا اقترب الغروب ذهب إلى أهله، فدعاه يوما من الأيام فسأله فأخبره أن له زوجة وأختين ووالدة، يكدح عليهن، وأنه لا قوت له ولا دخل، إلا ما يتكسبه من السوق، وأنه يصوم كل يوم ويفطر مع الغروب على ما يحصل، فقال له فهل تشكو من شيء؟ قال لا والحمد لله رب العالمين، فترك القصر، وترك الإمارة.

 

وهام على وجهه، ووجد ميتا بعد سنوات عديدة وكان يعمل في الخشب جهة خرسان لأنه وجد السعادة في عمله هذا، ولم يجدها في القصر، فيقول تعالى “والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم” وإن من أسباب السعاده هو القناعة بما قسم الله تعالى، فاعلم أنه يزداد التسخط في الناس وعدم الرضى بما رزقوا إذا قلت فيهم القناعة، وحينئذ لا يرضيهم طعام يشبعهم، ولا لباس يواريهم، ولا مراكب تحملهم، ولا مساكن تكنهم حيث يريدون الزيادة على ما يحتاجونه في كل شيء، ولن يشبعهم شيء، لأن أبصارهم وبصائرهم تنظر إلى من هم فوقهم، ولا تبصر من هم تحتهم، فيزدرون نعمة الله عليهم، ومهما أوتوا طلبوا المزيد فهم كشارب ماء البحر لا يرتوي أبدا، ومن كان كذلك فلن يحصل السعادة أبدا لأن سعادته لا تتحقق إلا إذا أصبح أعلى الناس في كل شيء، وهذا من أبعد المحال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى